رئيس التحرير
عصام كامل

التوافق أم الاتفاق فى وضع الدستور


من الخطأ البين أن نتصور أن التوافق يعنى مسك العصا من الوسط! ومن السذاجة وانعدام الخبرة أن نعتمد الشىء ونقيضه بدعوى التوافق ! 

التوافق لا يعنى "حشر" نصوص متناقضة الفلسفة ومتباينة المعنى والغرض ومتعارضه فى مقتضاها القانونى والدستورى ثم وضعها جميعا فى بوتقة وثيقة دستورية واحدة !

هذه الرغبة فى إرضاء اتجاه ونقيضه لا علاقة لها البتة بالتوافق !
من المتصور التوفيق بين المواقف قبل وضع النصوص وأن يعبر التوفيق بين المواقف عن نصوص متكاملة مترابطة متناغمة نتفق عليها قبل وضع النصوص.

ولكن من غير المتصور التوافق على نصوص وضعت ولكنها تتعارض فيما بينها لسبب واحد فقط، وهو إرضاء الاتجاه الدينى السلفى والاتجاه الليبرالى المدنى على حد سواء وفى ذات الوقت . هذه المواقف البينية ستقودنا إلى مسخ دستورى لا خير يرجى منه ولا أمل من خلاله يشع !

ولا يمكن أن نرجو استقرارا دون توفيق المواقف السابق على وضع النص ! أما التوافق على نصوص جمة التناقض والتعارض فى فلسفتها وفى مؤداها الدستورى معناها القانونى فهذا ببساطة جهل بما يؤدى إليه ذلك من صعوبات فى التفسير الدستورى وعواقب لا نراها اليوم .

لا يمكن أن نرسي دعائم دولة مدنية تقوم على أى نحو على حذف وصف "مدنية" الدولة من النص الدستورى، كما لا يمكن تصور قيامها فى وجود نص المادة ٢١٩ ذاتها أو على أى صيغة أخرى قريبة أو مماثلة أو استنساخ لها فى الدستور أو فى ديباجته !

أيا كانت الحريات المنصوص عليها بعد ذلك - فإنه فى غياب ضمانات قضائية فعالة لم تأخذ بها اللجنة التأسيسية بكل أسف (مثل الرقابة السابقة على دستورية التشريعات المنظمة للحريات ورقابة القضاء على اتفاق التشريع والقرار الإدارى مع المعاهدات الدولية)، إنما سيفسر مداها ومعناها فى ضوء القواعد الدستورية التى تحيل إلى الفقه الدينى وهو ما يناقض مدنية الدولة وفكرة حقوق الإنسان بمعناها الحديث بما تفترضه من الاعتراف بمبادئ أخرى : التعددية - سيادة القانون- الحرية الشخصية بتطبيقاتها المعروفة فى الدساتير الحديثة .

هذا تحذير وتنبيه لأعضاء اللجنتين: إن التوافق لا يعنى الأخذ بمواقف متعارضة تسفر عن نصوص متناقضة وفلسفات دستورية متعارضة وإنما ينبغى الاتفاق أولا على النصوص وفقا لقواعد التصويت الديمقراطى المعمول بها طبقا للائحة اللجنة ولكل فريق رأيه وموقفه.

لا نريد دستورا فئويا بل دستورا وطنيا.. لا نريد دستورا طائفيا بل دستورا مصريا.. لا نريد دستورا توافقيا بل دستورا ديمقراطيا فى التصويت عليه وفى مضمون أحكامه .

نريد دستورا يضبط السلطة ويخضعها للحرية وليس العكس .. دستورا لا يعزل المصريين عن الأمم المتحضرة فيما يمارسون من حريات وحقوق.. دستورا يقرن الحرية بالمسئولية ويجعل من سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة.. دستورا يوسع من رقابة القضاء ولا يبقى عليها كما هى فى دستور ٧١، فهذه هى الردة إلى الخلف .. إننى أسمعت لو ناديت حيا فهل من حياة لمن أنادى؟
الجريدة الرسمية