رئيس التحرير
عصام كامل

أزمة جديدة بين الأمن والحكومة التونسية.. النقابات تهدد بإضراب عام.. المعارضة تجر الأمن للمعترك السياسي.. روابط «حماية الثورة» تدعو لمليونية حماية الشرعية.. وتزايد المخاوف من مخطط انقلابي غدا

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

أصبح من الواضح اليوم أن موعد غدا الأربعاء 23 أكتوبر الذي حدده الرباعي الراعي للحوار الوطني بموافقة كل الأحزاب السياسية الفاعلة لانطلاق الجلسة الافتتاحية للحوار، لن يكون يوم التوافق وبداية لنهاية الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من ثلاثة اشهر.


وليس مرد هذا تأكيد ما دعت إليه أحزاب المعارضة المنضوية تحت ما يسمى بـ" جبهة الإنقاذ"، التي لم تنقذ شيئا إلى اليوم، من تظاهرة احتجاجية ارادتها مليونية للتعبير عن الغضب الشعبي وللمطالبة بالرحيل الفوري لحكومة الترويكا، إنما نبعت القناعة لدى التونسيين بان الأربعاء سيكون يوما عصيبا بسبب عزم رابطات حماية الثورة ولى الخروج أيضا إلى الشارع للتصدي لأنصار المعارضة.

رابطات حماية الثورة دعت انصارها إلى النزول إلى الشارع الأربعاء والتصدي لما اسمته "الثورة المضادة" وحذرت انصار المعارضة من مغبة السعي إلى نشر الفوضى يوم الثالث والعشرين من أكتوبر بعد الدعوات الملحة من قبلها للعودة إلى الشارع عبر مليونية الغضب التي قالت مية الجريبي الأمينة العامة للحزب الجمهوري بشانها بان المعارضة مستعدة لإلغاءها في حال استجابت الحكومة ومن وراءها حركة النهضة التي تقود الائتلاف الحاكم إلى مطالب جبهة الإنقاذ.

الا أن الوضع ليس بهذه البساطة، فالتعبئة الجماهيرية على اشدها من الطرفين ولا أحد بمقدوره التكهن بما سيقع يوم 23 أكتوبر الجاري...في خضم التلاطم السياسي والاحتقان الشعبي المتزايد.

وهنا يكمن الخطر المحدق بالبلاد، حيث يعرف عن رابطات حماية الثورة أن انصارها يميلون إلى العنف باعتبار تجانس انتماءاتهم الإيديولوجية والفكرية، فهم خليط من خريجي السجون واحباء الخمرة واغلبهم من ذوي السوابق السجنية، اجتمعوا تحت راية حماية الثورة وباسمها ارتكبوا عديد الاعتداءات في حق كل من يخالفهم الراي. ويتردد في مواقع التواصل الاجتماعي انهم ممولون من حركة النهضة التي تعتبرهم" ذراعها شبه المسلح " وتدافع عنهم ولا ترضى بحل جمعياتهم الأهلية تحت أي داع ومهما كانت جرائمهم في حق المجتمع التونسي المسالم.

وكأن الأمور كانت في حاجة إلى من يزيدها توترا، فقد دخلت نقابات الأمن على الخط بعد تهديدها بالتحرك ضد الحكومة وكانها حزب سياسي معارض، وذلك على خلفية قرار رئاسة الحكومة تقديم شكوى قضائية بممثلي النقابات الذين رفعوا شعار الرحيل في وجه الرؤساء الثلاثة الجمعة الماضي خلال اشرافهم على موكب تابين عوني الحرس الذين اغتالتهما الجماعات المسلحة في شمال البلاد في عملية إرهابية شنيعة امكن اثر ذلك للجيش والأمن القضاء على كامل عناصر العصابة الإرهابية.

النقابات التي اصدرت بيانات تهديد بتصعيد تحركاتها الاحتجاجية لم تتردد لحظة، بسبب نقص الخبرة التفاوضية لدى قادتها وافتقارهم إلى أي تكوين سياسي، في التاكيد على استعداد منظوريها شن إضراب عام في البلاد ومنع أعضاء المجلس التاسيسي من الدخول والخروج إلى مقره ما لم يتم المصادقة على قانون حماية الأمنيين أثناء اداء واجبهم وخارج اوقات العمل باعتبار أن المئات منهم مستهدفون من طرف العصابات المسلحة.

ولأن التوتر والاحتقان اصبح السمة الأساسية لتحركات جميع الأطراف وتصريحاتهم النارية الإستفزازية عبر الإذاعات والتلفزات، فقد أعلنت وزارة الداخلية انها قررت فتح بحث إداري للتحقيق في واقعة الرحيل. وحذرت في بيان لها " الأمنيين من مغبة الإنزلاق في اتون التجاذبات السياسيةبما يتنافى مع التطلع إلى أمن محايد جمهوري يقف على مسافة واحدة من جميع الجهات والأحزاب والمنظمات لاسيما وتونس على ابواب توافق وطني، على رجل الأمن حفظه لا ارباكه وحفظ المؤسسات واحترام رموز الدولة، وذلك على خلاف ما وقع يوم الجمعة الماضي."

الا أن بعض الأصوات تتعالى من هنا وهناك لتشير إلى مخطط انقلابي يقع التحضير له صلب نقابات الأمن بمساندة بعض أحزاب المعارضة التي لم تنجح في إسقاط حكومة على العريض لا عبر التفاوض والحوار ولا عبر الاعتصامات والإضرابات ولا اعمال العنف فالتجأت إلى مؤسستي الأمن والجيش لإعانتها في مهمتها القذرة.

امام فشل هذه الأطراف في استمالة الجيش واستقطاب قيادييه المحايدين، كان لزاما أن تتجه الأنظار إلى المؤسسة الأمنية التي كثر التململ صلب نقاباتها من مماطلة المجلس التاسيسي في المصادقة على قانون تجريم الاعتداء على الأمنيين الذي يتضمن أيضا منحهم امتيازات تتماشى وتضحياتهم الجسام يوميا في حماية ارواح التونسيين وممتلكاتهم.

اليوم لا حديث للتونسيين سوى عن التشنج المسجل في علاقة سلك الأمن بحكومة على العريض وما شاب تلك العلاقة من تعكرات وصلت حد التراشق بالتهديدات بالرغم من أن الكاتب العام لاتحاد نقابات الأمن، فند امس الإثنين مزاعم بعض الأطراف التي تتهمهم بالإعداد للإنقلاب على السلطة حيث صرح بان مفهوم الإنقلاب لا يدخل في تقاليد المؤسسة الأمنية التونسية، مشددا على أن الأمنيين لا علاقة لهم بما تقرره الأحزاب السياسية ومجددا العزم على الحفاظ على الأمن العام والسهر على حماية المتظاهرين يوم 23 أكتوبر الجاري.

وكانت قلة من الأحزاب السياسية استنكرت ما حصل في حفل تابين الشهيدين ودعت بالحاح الأمنيين إلى عدم الإنسياق وراء محاولات تسييس النقابات التابعة لهم باعتبار أن سلك الأمن كما الجيش لا بد أن يظل محايدا في خدمة الوطن ولا ولاء له الا للوطن.

النهضة التي تقود الائتلاف الثلاثي الحاكم، بدت وكانها تغرد بجناح واحد بعد تعنت حزب المؤتمر وغناؤه خارج السرب، وبعد موجة الاستقالات التي تعصف بحزب التكتل المتهاوي اصلا، استنكرت ما اتته نقابات الأمن من تصرفات غير مسئولة وإصدارها بيانات سياسية تحريضية. وعابت النهضة على النقابات الأمنية ارتماءها في إستراتيجيات أحزاب لا تحترم الإرادة الشعبية وتنحرف بالعمل النقابي عن أهدافه وقواعده وتشوه المؤسسة الأمنية بهذه الأفعال المشينة.

الحركة دعت في بيانها إلى الاستجابة إلى المطالب المشروعة للأمنيين التي تضمن لهم الكرامة والعمل بطمانينة منبهة في ذات البيان إلى خطورة التصرفات اللامسؤولة لبعض الأمنيين على مدنية الدولة ومؤسساتها.

وامام الصمت التام لأغلب الأحزاب المعارضة ازاء الأزمة الراهنة بين النقابات الأمنية ورموز الدولة، بالرغم من " زيارة الصداقة" التي ادتها بعض رموز المعارضة إلى مقر النقابات حال وقوع حادثة الرحيل، مساندة منها لمن قاموا بها، اصدر المديرون العامون بالحرس الوطني بيانا تمسكوا فيه بقيادتهم معلنين مساندتهم لكل عمل نقابي نزيه مشددين على انهم باتوا يشكون في النوايا بعد واقعة حفل التابين التي وصفوها بالمخجلة.

وفي سياق غير متصل، تتكثف استعدادات الرباعي الراعي للحوار لعقد الجلسة الافتتاحية للحوار بحضور الرؤساء الثلاثة وقيادات الأحزاب السياسية الموقعة على خارطة الطريق المنبثقة عن مبادرة اتحاد الشغل، دون أن تولي المنظمات الأربعة التي تسهر على الحوار ادنى أهمية لتصريحات على العريض رئيس الحكومة التي جدد فيها رفض حكومته الرحيل قبل استكمال المسار التاسيسي بما يعني انها باقية في السلطة إلى حين الانتهاء من صياغة الدستور وتشكيل الهيئة المستقة للانتخابات.

وهي مسارات لا يمكن أن تتم الا بعد اسابيع اةو اشهر وفق المحللين السياسيين الذين ينقسمون بين مؤيد لشرعية حكومة الترويكا وبين مطالب باقالتها قبل انطلاق الحوار، وبين هذا وذاك، ينتظر التونسيون ما ستؤول اليه الأوضاع يوم 23 من أكتوبر في الشارع الذي سيشهد التحاما لا سابق له بين انصار المعارضة وانصار رابطات حماية الثورة الذين يطالب كل شق منهما بعكس ما يدعو اليه الشق الأخر.

ومع بداية العد التنازلي لموعد 23 من أكتوبر الجاري، وتضاعف أزمات تونس الجريحة، وامام توتر الأوضاع أكثر فأكثر كل يوم، بات التونسيون يشعرون بان النخبة السياسية قد خذلتهم بعد أن وضعوا فيها ثقتهم واستامنوها على احلامهم بغد افضل... فلا المعارضة المصابة بالتشرذم والتفكك الداخلي والهشاشة العظامية كانت قادرة على تصحيح المسار الانتقالي بما يمليه عليها واجبها كمراقب لأداء السلطة، ولا حكومة الترويكا كان لها من الخبرة ما يمكنها من تجاوز ارباكات الشق الجالس على الربوة.

فالتونسي البسيط يقرا اليوم تنوءات المشهد السياسي على اعبار أنه فشل لمعارضة هزيلة مهمتها الرئيسية اختلاق المعارك الوهمية، وسلطة وعدت بالكثير من الإنجازات الا انها ارتطمدت بجدار صد حرمها لذة الانتصارات وجعلها غير قادرة على الإيفاء بتعهداتها تجاه ناخبيها.

فليس من صالح المسار الانتقالي ولا من مصلحة التونسيين جميعا وفي مقدمتهم الطبقة السياسية المتنازعة على كرسي السلطة، أن يعم الاحتقان وتتضاعف الأزمات وتشتد فيه وطاة الإرهاب المسلح في وقت يحتاج فيه الوطن إلى جهود جميع فئاته من أجل البناء...والكرامة التي من أجلها قامت ثورة 14 يناير 2011 واستشهد خلالها مئات الشباب الذين رحلوا حاملين احلام شعب باكمله.
















الجريدة الرسمية