رئيس التحرير
عصام كامل

إنها الحرب ولا سبيل سوى المواجهة


الذى يتحدث عن المصالحة حاليا مثله مثل القائد الذى يبرر تقهقره أمام عدو يغزو بلاده بحجة الحفاظ على الأرواح.. نحن بالفعل أمام حرب حقيقية هجومية يقودها المحور الإخوانى بقيادة تركيا الأردوغانية ضد مصر شعبا وجيشا ودولة وتاريخ وحاضر ومستقبل، وعلى المستوى الداخلى والمستوى الدولى.. والمحور الإخوانى ينضوى تحته التنظيم الدولى للإخوان وقطر وحماس والنهضة التونسية وحزب الإصلاح اليمنى وإخوان ليبيا والكويت والأردن وسوريا والمغرب، وحلفاؤهم من الجماعات الجهادية حول العالم.


هذا التحالف الذى اجتمع ممثلوه أكثر من مرة بعد سقوط مرسى.. اتخذوا قرار الحرب بالفعل وبدءوا فى تطبيق خطتهم على كافة الأصعدة.. والحروب فى الوقت الحالى ليست كلها حروب تتواجه فيها الجيوش، بل أغلبها تسليط جماعات التخريب والفوضى والإرهاب على بلد لإسقاطه من داخله بتمويل وتسليح وتخطيط وتعبئة خارجية.. أو محاصرة الدولة عبر المنظمات الدولية ومؤسسات التمويل الدولية وكذا عبر العلاقات مع الدول الكبرى.. وهى كذلك حرب إعلامية تسعى لعزل النظام وتلطيخ سمعته والتحذير من التعاون معه أو زيارة السياح لبلده ومحاولة حجب الاستثمارات عنه.

وجزء من تكتيك هذه الحرب هو إرهاق الخصم بأكبر قدر ممكن من العمليات الإرهابية والفوضى وتعطيل العمل حتى يضطر تحت وطأة الخوف من الفشل بقبول شروط التصالح التى يهندسها ويعرضها التنظيم الدولى للإخوان.. مرة عبر مبادرة من محمد حسان ومرة أخرى من محمد سليم العوا والعديد من المبادرات المشابهة.. معظمها تأتى من طرف الإخوان وحلفائهم وآخرها دخول الثعلب الكبير على الخط وهو الدكتور أحمد كمال أبو المجد.. على فكرة فهمى هويدى والقرضاوى والعوا وأبو المجد والبشرى ومحمد عمارة كلهم شلة أصدقاء واحدة تعمل لصالح الإخوان.. وأحمد كمال أبو المجد هو من كان يدير مصالحات رجال أعمال مبارك مع نظام الإخوان وجنى مكتبه أموالا طائلة من وراء ذلك.. فهل يعمل رجل بهذه المواصفات لصالح مصر الثورة؟! وهل ننسى حديثه مع جريدة الوطن أثناء حكم مرسى الذى دافع بضراوة عن مرسى وحكم الإخوان.. وانتقد معارضيهم بشدة ووصف الإعلام المهاجم لمرسى بالسفاهة والغوغائية والديموجاجية والبعد عن الحقائق.. فى الوقت الذى يعمل ابنه حتى اللحظة سفيرا لمصر فى كندا ممررا رسائل عدائية ناعمة ضد الوضع الحالى.. لن أستطرد كثيرا فى الحديث عن كمال أبو المجد ولكن أترك الأستاذ الكبير راجى عنايت يصف هذه المبادرة (أبو المجد .. ونزيف دماء مصر !)..

من صاحب هذه الفكرة الانتحارية في جماعة الحكم الحالي؟ من الذي يرى حالة الهيموفيليا أو نزيف دماء مصر ويلجأ إلى راسبوتين أبو المجد ؟!!

خبل المصالحة مع المخبولين، هو الذي وضع في رأس مسئول مصري حالي، فكرة الالتجاء إلى الدكتور كمال أبو المجد .. الداعية الإخواني نصف المستتر، لكي يجمع رأسين في الحرام : شعب مصر وعصابات الإرهاب!! كفاكم جنونا .. كفاكم خبلا وتخبّطا.. المصيبة أن هذا الوسيط يمكن أن يبيعنا ويبيع الإرهابيين في نفس الوقت .. لأن راسبوتين المعاصر ثنائي القوى! باختصار .. حذار.. انتهى كلام الأستاذ راجى عنايت ولا تعليق.

الجيش يدرك طبيعة هذه الحرب ويدرك خطورتها وخاصة بعد استهداف سفن قناة السويس بصواريخ، وشل السياحة، وتعطيل قرض صندوق النقد، وتحريض الغرب على الجيش، ومحاولة إيقاف المعونات الغربية، وتمويل وتسليح وتهريب الإرهابيين إلى عمق سيناء، وشل الطرق، والتلويح بالاغتيالات للشخصيات العامة...... إلخ .

ولكن المشكلة والعقبة تتمثل فى بعض القيادات السياسية المدنية وبعض أنصار الإخوان داخل النظام الذين يسعون لتشتيت الرأى العام والجيش وأجهزة الدولة بمثل هذه المبادرات فى الوقت الذى يصعدون هم حربهم بكافة الطرق.. إن تطويل فترة الفوضى والمعانأة تكمن فى مسك العصا من المنتصف أو سياسة اليد الرخوة أو الجرى وراء أوهام المصالحة أو خوف بعض السياسيين على أنفسهم من الإخوان وتنظيمهم أو الاستماع للطابور الخامس داخل مصر والذى يعمل لصالح المحور الإخوانى الدولى.

وهناك مجموعة أخرى متوهمة بأن المصالحة كفيلة بحقن الدماء.. هذا الكلام وهم كبير.. وقد رأينا أن مصر لم تعش فى هدوء إلا عندما تم قمع الإخوان عقب اغتيال النقراشى باشا وعقب محاولة اغتيال عبد الناصر.. وأن السادات الذى أفرج عنهم وأعادهم لمصر قتلوه.. ومبارك الذى هادنهم أسقطوه.. وأن الجماعات الجهادية اخترعت مبادرة وقف العنف عندما هزمتها قوات الشرطة المصرية فى عهد مبارك ولكن عندما عاد مرسى اتضح أنهم لم ينبذوا العنف وإنما كانت مبادرتهم تقية من مهزومين.. فإيمان كل تيار الإسلام السياسى بالعنف هو إيمان عقيدى لا يتزعزع،.. وهدف إسقاط الدول لإحياء الخلافة هدف أساسى مشترك لجميعهم.

المسألة إذن واضحة.. إنها الحرب ولا طريق للفوز بها إلا المواجهة الشاملة القوية، ولن يشكم هؤلاء سوى سيف الشرعية وقوة القانون وحسمه وسرعته حتى ولو تم استخدام القانون الاستثنائى.. فالحرب على هذا الإرهاب الدولى الواسع يلزمها سلطات استثنائية وقوانين استثنائية.. يحدث ذلك فى أعرق الديمقراطيات، ولا ننسى قانون الوطنية فى أمريكا الذى صدر عقب أحداث 11 سبتمبر.. والذى وفقا لوزارة الأمن الداخلى ساهم فى تجنيب أمريكا عشرات الحوادث الإرهابية.

ولا ننسى كذلك مدى الصعوبة فى إثبات الإرهاب بأدلة قاطعة أمام القاضى الطبيعى، فكل قادة تنظيم القاعدة سيخرجون براءة لو تمت محاكمتهم أمام القاضى الطبيعى، فالعقول الثعبانية ترتكب أفظع الجرائم دون ترك أدلة قاطعة.. وفى حين تشير أصابع الجميع للفاعل لا يستطيع القاضى إثبات ذلك قانونيا.. الحرب التى تقودها مصر حاليا تحتاج إلى تفكير جديد وأدوات جديدة وطرق جديدة للمواجهة وتعبئة عامة ويقظة مجتمعية وتماسك المجتمع خلف دولته وجيشه.. وقبل كل ذلك نحتاج إلى الاعتراف بأنها حرب حقيقية وخطيرة وقد تمتد لسنوات طويلة إن لم نسارع بمواجهتها بكافة الأسلحة الممكنة.
الجريدة الرسمية