رئيس التحرير
عصام كامل

مصر.. بين السياسة والإدارة


احتفى فلاسفة اليونان القدماء وخصوصا أفلاطون وأرسطو بحالة الدولة كمدينة فاضلة تنبع من مفهومٍ فلسفي وأخلاقى، واهتم الرومان بكيان الدولة القانوني والسياسي كحالة وظيفية صرفة، وسعى المنهجان لترشيد السياسة والحكم سواء بإضفاء البعد الأخلاقى الإنسانى أو بالمفهوم القانونى الصارم عليها، ومع تطور الأنظمة السياسية الديمقراطية وما انطوت عليه من مشاركة اجتماعية متزايدة لم يعد تنظيم الدولة بمفهوميه التاريخيين يحتكر الحيز السياسي وحده.


فقد تحولت الأمور في ظل تعدد المؤسسات الاجتماعية والمنظمات المدنية، ومالت الكفة نحو مفهوم إدارة الدولة كشركة قابضة كبرى تهدف للتنمية والربحية وتعزز اقتصادها وفوائضها، ما أفرز نظامًا حاكمًا اجتماعيًا يشبه الإدارة المنهجية لمجتمع أعمال يدير المجتمع أكثر منه منظومة سياسية تسوس المجتمع وتسيطر بقراراتها السيادية الفوقية، ولم يكن من الممكن في ظل ذلك المفهوم أن تفرض الإدارة رؤيتها وأنظمتها في الدولة إلا بعد تحجيم دور المارد السياسي المتحكم أمام كيان التنظيم الإدارى التنموى في المجتمع.

وفى الحالة المصرية التاريخية، طغت السياسة على الإدارة وطبعتها بمفهومها عن حتمية الولاء المطلق للنظام السياسي، ولذلك ظهرت مفاهيم الشك في الآخر والتخوين والتخويف، فنشأ النظام البيروقراطى الصارم فيها كسلطة ذات مخالب، تتخذ من الروتين المعوق وسيلة لفرض النفوذ السياسي والتحكم في المجتمع، ولا يمكن أن ينصلح هذا الواقع الذي أوقف عجلة التقدم إلا بتراجع سطوة وكيان مفهوم الحاكم والحكومة لصالح الإدارة، وإعادة تشكيلهم في صورة مديرين يديرون لا حكام يتحكمون، وعندما تسود منظومة الإدارة الرشيدة فإنها تدير عجلة السياسة ذاتها وتشكلها، لتصبح مصالح الدولة مقدمة كهدف إدارى خالص قبل أي اعتبار سياسي آخر .

نحن نحتاج إلى هيكل إدارة للمجتمع يبعد عن المفهوم التاريخى للحكم والتحكم يقوم بتفعيل منظومة شاملة للإدارة والتنمية البشرية والمجتمعية كمجتمع أعمال كبير.. عندها ستكون مصر أم الدنيا كما ينبغى لها أن تكون.
الجريدة الرسمية