رئيس التحرير
عصام كامل

تخفيف الأحمال مطلوب


هل تستاهل الحياة كل هذا الهم والغم؟ أبدا والله.. فبعد هذا العمر الذى تجاوزنا فيه السبعين بقليل، اكتشفنا أن المسألة كان يجب أن تكون أكثر بساطة وتواضعا..استغرقتنا السياسة بحلوها ومرها، بإيجابياتها وسلبياتها، وأخذ ذلك من عافيتنا وعمرنا شطرا كبيرا.. يبدو أننا كنا مثاليين أكثر من اللازم، وأن الحياة يجب أن تمضى كما نهوى ونريد، لكن الواقع غير ذلك تماما وهذا ما أجهدنا وأوجع قلوبنا كثيرا.. أمضينا عقودا طويلة مهمومين بأشياء كثيرة، بعضها يستحق والبعض الآخر لا..


والحقيقة أننا كنا جادين فى كل شيء أكثر من اللازم.. كنا نتمثل قول شوقى: دقات قلب المرء قائلة له.. إن الحياة دقائق وثوان.. والمثل المشهور: "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك".. وكذلك: "الوقت هو الحياة".. حتى طفولتنا الباكرة لم نعشها كما يجب، شأننا فى ذلك شأن معظم أطفال دمياط الذين يلحقون فى صغرهم بحرف مختلفة، بعيدا عن التعليم وقضاياه..

صحيح إن تلك الفترة من حياتنا لم تكن تعيسة أو بائسة، لكنها خلت من معان كثيرة، إذ درجنا على الانغماس فى العمل الشاق والمضنى وتحمل المسئولية منذ نعومة أظفارنا.. ومع ذلك، قدر الله أن يكون التعليم والبحث العلمى هو مسارنا ومسيرتنا، ولله فى خلقه شئون.

لقد أقبلنا على الحياة بكل همة ونشاط، وعزيمة وصدق وإخلاص.. لم نترك لأنفسنا وقتا لكى نكون أكثر إنسانية، وهى ألا ندع العمل يأخذنا من أنفسنا ومن أهلنا وأولادنا.. كنا كالذى يدور فى ساقية.. كلما أنجزنا عملا، بدأنا على الفور فى الذى يليه ثم الذى يليه..لا وقت للراحة والتأمل.. لم ندرك قول الحبيب: "إن لبدنك عليك حقاً"، حيث إن القلوب تكل وتمل.. للأسف، لم نفهم معنى قوله تعالى: "ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك"، إلا متأخرا.. متأخرا جداً..

إن لدينا أمراضا وعللا كثيرة لا يخلو منها أى مجتمع، كالفساد والاستبداد، والرشوة والمحسوبية، والمداهنة والتملق والتسلق..إلخ.. ناهيك عن الثالوث المرعب؛ الفقر والجهل والمرض.. هذه الأمراض لن تنتهى، والمهم أن نقلل منها ومن آثارها.. سوف يتطلب ذلك وقتا وجهدنا، لكن علينا بذل ما نستطيع.. كنا نتصور أحيانا أن الدنيا سوف تقف لو أننا لم نفعل كذا.. وكذا.. وكنا نمكث فى بيتنا أياما، لمرض يصيبنا، لكن الحياة أبدا لم تكن تتوقف.. بل تمضى، ربما بأحسن مما كنا نتوقع..إن الحياة يجب أن تأخذ حقها ووقتها ونصيبها، لكن بحدود.. ما أروع القول المأثور: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً".. أقبل عليها، لكن بحساب..لا تنغمس فيها حتى شحمة أذنيك فتقع فى ذلات، ولا تدبر عنها فتحرم نفسك من متعها ولذاتها..هذا هو التوسط والاعتدال الذى أمرنا به الإسلام..

التخفيف من الأحمال أمر ضرورى حتى لا يقع الإنسان، إن لم يكن قد وقع فعلا، فريسة أمراض العصر؛ القلق والتوتر والسكر والضغط، وحتى يتمكن من استكمال مسيرة الحياة.. إن الحفاظ على التوازن النفسى والعصبى والوجدانى مهم للغاية، خاصة فى أواخر الأيام.. فالقدرة لم تعد كسالف عهدها، كما أن مخزون الطاقة تضاءل كثيرا.. لذا فإن الحياة مع الله - ولو لسويعات قليلة - مطلوبة كى تعيد للإنسان رباطة جأشه، وطمأنينة قلبه، وسكينة فؤاده.. لو أنا رتبنا على أنفسنا وردا قرآنيا فى اليوم والليلة، وشيئا من التسبيح والاستغفار والدعاء، لكان فيه خيرا كثيرا.. كل عام وأنتم بخير.


الجريدة الرسمية