رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا خَرَج؟ ولماذا لم يَعُد؟!


نشرت وكالات الأنباء خبرًا حمل إحصائية صادرة عن الاتحاد العام للمصريين بالخارج، تقول إن عدد العلماء المصريين بالخارج بلغ 86 ألف عالم، احتلت بهم مصر المركز الأول عالميًا في عدد العلماء (خارج أوطانهم).

الخبر يحمل من دواعى السرور، بقدر ما يحمل من دواعى الفزع.

فأما دواعى الفزع.. فتكمن في السؤال عن أسباب ظهور وتفوق العلماء المصريين بالخارج، بينما البديهى والمنطقى أن يكون الظهور والنمو والتفوق في الوطن الذي نبتوا في ترابه، وترعرعوا على أرضه؟!.. نفس السؤال بصيغة أكثر مرارة.. لماذا وكيف صارت أرض مصر طاردة لفلذات أكبادها والنجباء منهم على وجه الخصوص؟

الواقع أن هذا هو حالنا بعد مرور سنوات قلائل على قيام ثورة يوليو التي ساندها الشعب آنذاك أملًا في حياة جديدة.. وهى الثورة التي وعدت بالقضاء على ثلاثة أعداء وإقامة ومواجهة ثلاثة تحديات، وقد بشَّرَت بالعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة الإنسانية، بيد أن ما حدث هو أن تحولت مصر إلى سجن كبير الداخل فيه مفقود والخارج منه مولود!

ولأن أرض الله واسعة فقد هاجرت الكفاءات والعقول.. ومن بقى من تلك الكفاءات، تحول إلى كائن خانع خاضع مسكين، لا حول له ولا قوة، وقد تحكم فيه وفى رزقه وحياته ومستقبله قطيع من الأغبياء والفاسدين والمنتفعين والأفاقين والمنافقين والجهلة.. ووجد الجهل والفقر والمرض ضالته في هذا السجن الكبير الذي اشتد عود أباطرة الفساد فيه، ولم يجدوا لهم عملًا إلا التسلية بأبناء هذا الشعب.

ومن أهم الأسباب التي أسهمت أيضًا في فرار نوابغ الأمة، تراجع منظومة القيم الاجتماعية، إذ تقهقرت قيم التفوق والنبوغ والإبداع والابتكار، ونبتت قيم سلبية بديلة مثل التواكلية والمظهرية والفهلوة.. والاعتماد على الحظ والوساطة والسمسرة التي تفوقت كذلك على قيم التفوق والكد والإتقان.

لهذا آثر أصحاب المواهب والنجباء السلامة، والقفز من المركب، أملًا في الوصول إلى أرض تنحنى احترامًا لقيمة الإنسان وموهبته وقدرته على الإبداع والابتكار.

السؤال.. ما السبيل إلى جعل مصر الحضن الحنون والملاذ الدافئ لأبنائها، والمُحَفِّز للتفوق والإبداع والعطاء، لكى تحصد عصارة الفكر والعمل والابتكار؟.. الجواب هو إعادة إنتاج أو استعادة منظومة القيم الإيجابية.. قيم الحرية والعدل وتكافؤ الفرص..متى؟..الله أعلم!
halemo_9@yahoo.com
الجريدة الرسمية