هل تراجع جماعة الإخوان المسلمين نفسها؟
نشر في الجرائد، أن مجموعة من شباب جماعة الإخوان المسلمين طلبوا الاجتماع مع المسئولين في رئاسة الجمهورية لمناقشة الوضع الراهن، والذي يتمثل في استمرار المظاهرات التي يقوم بها أعضاء الجماعة في القاهرة والإسكندرية ومحافظات أخرى، للاحتجاج على ما حدث بعد 30 يونيو من قرارات ثورية أبرزها عزل "محمد مرسي" من رئاسة الجمهورية، وإعلان خارطة طريق للتحول الديمقراطى، والقبض على عشرات من قيادات جماعة الإخوان المتهمين في وقائع محددة تتعلق بالتحريض على العنف أو ممارسته بالفعل.
وقد تباينت ردود الأوساط السياسية لهذه البادرة التي تمثلت في طلب هذه المجموعات المنشقة الحوار مع الرئاسة، فقد رفضتها بشكل قاطع بعض التيارات على أساس أنها مراوغة مكشوفة، في حين قبلتها تيارات أخرى على أساس أن الحوار بين الفرقاء مطلوب في كل وقت.
والواقع أن هذه المقابلة لو تمت تثير سؤالًا بالغ الأهمية هو.. هل يمكن لجماعة الإخوان المسلمين أن تراجع نفسها وتعترف بأخطائها بعد أن تصدر قيادات الجماعة لأتباعها التوجيهات اللازمة لوقف المظاهرات الفوضوية التي تحدث كل يوم وتعطل مصالح الناس؟
موضوع المراجعات اكتسب شهرة كبرى بعد تلك التي قامت بها جماعة "الجهاد" و"الجماعة الإسلامية".
ومن المعروف أن هذه الجماعات وبناءً على اتفاق مع قوات الأمن قبلت مراجعة الأفكار المتطرفة التي كانت تتبناها وأدت بها إلى ممارسة الإرهاب الذي سقط نتيجة له عشرات الأشخاص ومئات المصابين على أساس الإفراج عن أعضائها الذين كانوا معتقلين داخل السجون.
وقامت كل جماعة إرهابية من هذه الجماعات بإصدار عشرات الكتب التي تحمل نقدًا ذاتيًا لأفكارها وسلوكها على السواء، وبناءً على هذه "المراجعات" تم الإفراج عن مئات من أعضاء الجماعات الإرهابية وأدمجوا مرة ثانية في الحياة المدنية.
ومن هنا يصح التساؤل.. هل يمكن أن تمر جماعة الإخوان المسلمين بتجربة مماثلة ويقدم قادتها بجسارة على ممارسة النقد الذاتى، ويقومون بالاعتراف بأخطائهم السياسية الجسيمة التي تتمثل في احتكار السلطة وإقصاء كل القوى السياسية، ومحاولات أخونة الدولة وأسلمة المجتمع والتي أدت إلى الفشل السياسي الذريع للجماعة، وأهم من ذلك كله السقوط التاريخى لمشروع الجماعة والذي استمر أكثر من ثمانين عامًا بعدما تبين عدم واقعية المسلمات التي قام عليها؟
لقد سبق لنا بمناسبة المراجعات التي أقدم عليها قادة جماعة "الجهاد" و"الجماعة الإسلامية"، أن قمنا بتحية هؤلاء القادة لسلوكهم الحميد الذي تمثل في مراجعة الأفكار الإرهابية والسلوكيات التي مارسوها سنوات طويلة إلى أن استطاع الأمن القضاء المبرم على الإرهاب.
ونشرنا دراسة بعنوان "مراجعة الفكر الإسلامى المتطرف: إشكالية القياس الخاطئ والتأويل المنحرف" نشرناها في كتابنا "شبكة الحضارة المعرفية: من المجتمع الواقعى إلى العالم الافتراضى، الذي نشرته دار "ميريت" عام 2009.
وهناك إرهاصات تشى بأن قادة الجماعة الذين لم يتم اعتقالهم قد يسلكون هذا السبيل، وخصوصًا بعدما بادر بعض الكتاب المناصرين للجماعة بدعوتهم "لتجرع السم" أو بعبارة أخرى قبول وقف المظاهرات والاعتصامات في مقابل تسوية سياسية يتفق معها مع السلطة ما بعد 30 يونيو، تضمن على الأقل عدم إقصائهم نهائيًا عن الساحة السياسية.
وقد تكون مهمة هؤلاء القادة – لو قاموا بالمراجعات- أيسر من قادة الجماعات الإرهابية، لأن الجماعة في زمن حكمها القصير لم تمارس الإرهاب، ولكنها مارست نوعًا من الاستبداد السياسي والذي أدى إلى سقوطها المعروف في النهاية.
ومعنى ذلك، أن الجماعة لو قامت بمراجعة ومفردات مشروعها السياسي فإنها ستتبين الأخطاء الجسيمة التي شابته من ناحية منطلقاته غير الواقعية وأهمها على الإطلاق حلم استعادة الخلافة الإسلامية، والمشروع الإقصائى الباطل والذي يتمثل في أخونة الدولة وأسلمة المجتمع!
هل يقدم قادة جماعة الإخوان المسلمين على القيام بهذه المراجعات أم سيصرون على رفع شعاراتهم الجوفاء المعهودة؟.. سؤل نتركه للمستقبل القريب!