رئيس التحرير
عصام كامل

واحد دستور لواحد شعب


مسألة مهمة جدا يجب أن يتبينها كاتبو الدستور، فكلنا يعلم أن جرائم التعذيب لا تسقط بالتقادم، فهكذا نص دستور 1971 وهكذا نطالب بأن ينص الدستور القادم، لكن ألست معي يا كاتب الدستور أن من الأهمية أيضا أن ينص في الدستور على أن جرائم الاعتداء على المال العام بكل صورها لا تسقط أيضا بالتقادم؟ فكلنا عانينا في الفترة الأخيرة أحكاما صدرت وفقا للقانون يقول فيها القاضي: حكمت المحكمة ببراءة كل اللصوص لأن قانون الإجراءات الجنائية أراد ذلك.


ما حكاية الانقضاء؟ ومن أي سماء هبط علينا؟ الانقضاء هذا فكرة أوربية، قامت على أن المتهم الأثيم الزنيم الذي ارتكب جريمة جناية مثلا، وسرق واختلس مال الدولة، وجعله غنيمة لنفسه، فإن المجتمع لا يستطيع أن يتهمه أو يحاكمه أو يعاقبه إذا مرت عشر سنوات على تاريخ ارتكابه الجناية، أو ثلاثة أعوام على تاريخ ارتكابه الجنحة، وللمتهم حينئذ أن يخرج لسانه للجميع فقد ربح من خلال القانون!

عندما بدأت فكرة انقضاء الدعوى الجنائية تطل برأسها في فرنسا، كان الفقه القانوني الفرنسي الطيب يستند في فكرته هذه إلى أمرين:

أولهما هو افتراض نسيان المجتمع للجريمة بسبب مضي مدة طويلة دون اتخاذ إجراءات فيها، وبنسيانها تتلاشى الحاجة إلى العبرة والموعظة فيسقط بذلك أحد ركني حق العقاب.

أما ثانيهما فهو أن مرور الزمن يجعل إثبات الجريمة أو نفيها متعذرًا إما لموت الشهود أو لنسيانهم الواقعة أو لضياع معالم الجريمة.

ولأن القضاء المصري للأسف الشديد قد أقام أركانه ومفاهيمه على مبدأ «من كل فيلم أغنية» فقد أخذ مفهوم الانقضاء هذا من القانون الفرنسي ونقله نقل مسطرة دون تصرف، وكانت المادة الشهيرة من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على هذا المفهوم ـ غير المفهوم ـ هي المادة الخامسة عشرة من قانون الإجراءات الجنائية، ولذلك أفلت الكثيرون من العقاب على جريمتهم المالية.

الذين يحملون كارنيه «انقضاء» تنوء بحملهم مدينة القاهرة حتى أن البعض فكر في أن يشكل لهم نقابة خاصة تسمى "نقابة الانقضاء" من أجل الحفاظ على مصالحهم، فمعظم الوزراء في عهد مبارك الذين تم توجيه اتهامات فساد مالي لهم تنقضي جرائمهم بمضي المدة.

إذن كيف نواجه هذا النزيف الكبير؟ الأمر بديهي جدا لو كنا نبتغي مصر جدا فالحل أمامنا، إذ إن المشرع المصري منذ زمن جعل جرائم التعذيب مستثناة من الانقضاء، أي أن المجرم الذي يعذب مواطنا لا تنقضي جريمته مهما طال الزمن، لأن التعذيب آفة تستهدف القضاء على كرامة الإنسان قبل أن تستهدف المساس بجسده... كلام عظيم.. وطالما أن الشيء بالشيء يذكر فإننا وفي أيامنا السعيدة هذه، وبعد أن أصبح فساد أعمدة الأنظمة السابقة للركب، إذن ليست هناك مشكلة ولا يحزنون، مجرد واحد مادة دستورية، من واحد دستورجي قد الدنيا، يقدمها لواحد من جمعية الدستور، كي توافق عليه وتضعه في واحد دستور جديد، ليصدر فورا في واحد ساعة، بعد واحد استفتاء وكفى الله المؤمنين شر جرائم الفساد.
الجريدة الرسمية