تهافت العقل الإخوانى!
اكتشفت منذ زمن بعيد تهافت العقل الإخوانى، وكانت أبرز علامات هذا التهافت الإفلاس الفكرى لجماعة الإخوان المسلمين والذي استمر منذ نشأتها عام 1928 على يد الشيخ "حسن البنا" حتى الوقت الراهن، أي أنه مضى على هذه الجماعة أكثر من ثمانين عامًا لم تستطع فيها أن تنجب مفكرًا واحدًا له قيمة، أو أن تصدر أبحاثًا ومؤلفات تعرض فيها أفكارها الأساسية.
ولو فحصنا التراث الفكرى للجماعة لوجدناه بالغ الضآلة، لأنه يتمثل أساسًا في مجموعة من الرسائل الموجزة التي كتبها الشيخ "حسن البنا" وبعد ذلك لا شىء!
ثم يظهر فجأة في ساحة الإخوان "سيد قطب"، الذي انضم إلى الجماعة نحو عام 1950 ليصبح هو بمؤلفاته المنظر الأساسى للجماعة، وصاحب نظريات التكفير الشهيرة والتي عرضها في كتابه المعروف "معالم على الطريق" والذي اتهم فيه المجتمع بالجاهلية!
غير أنه لو تركنا مشكلة الفقر الفكرى الملحوظ لجماعة الإخوان المسلمين جانبًا وركزنا على مشروعها لاكتشفنا أنه في الواقع – بغض النظر عن تطرفه- مشروع وهمى!
وذلك لأن الهدف الاستراتيجي له كما تدل على ذلك أدبيات الجماعة، هو استعادة "الخلافة الإسلامية" التي انهارت عام 1928 وتأسيسها من جديد!
وهذه الفكرة أشبه ما تكون بشعار خال من المضمون لا يستند إلى أي تحليل للنظام العالمى المعاصر، والذي لا يقبل بسهولة تكون دول دينية، فما بالك بإمبراطورية دينية جديدة تحت شعار "الخلافة الإسلامية!
وخطورة هذه الفكرة الوهمية أنها مضادة تمامًا لفكرة الوطنية! وذلك لأن الخلافة لا تؤمن بالحدود المقدسة لكل دولة، وإنما تركز على وحدة الدين، ومن هنا لا تجد جماعة الإخوان المسلمين مشكلة في مسألة التنازل عن جزء من أراضى الدولة لكيان آخر سياسي حتى ولو لم يكن دولة معترف بها، ولعل الخطة التي وافقت عليها جماعة الإخوان المسلمين وكلف الدكتور "محمد مرسي" باعتباره رئيس الجمهورية بتنفيذها، وهى التنازل عن جزء من شبه جزيرة سيناء لجماعة حماس لتكون الوطن البديل لجماعات من الفلسطينيين، أبلغ دليل على خطورة مشروع الخلافة الإسلامية على الأمن القومى للدول.
ومن ناحية أخرى، صدّعت جماعة الإخوان المسلمين رءوسنا بشعارها "الإسلام هو الحل"، والذي وصفناه من قبل بأنه شعار فارغ من المضمون، كان ذلك وهم في المعارضة ورفعوا الشعار حتى يكسبوا الانتخابات بعد إثارة الوعى الدينى المزيف للجماهير، وشاءت الظروف أن يستلموا حكم مصر، فإذا بالشعار يسقط سقوطًا مدويًا لأن الحكم الإخوانى فشل فشلًا ذريعًا في حل مشكلات البلد الجسيمة، بل وأخطر من ذلك أن المشاكل تفاقمت والأوضاع تردت عما قبل.
وقد ظهر تهافت العقل الإخوانى جليًا للعالم كله على وجه الخصوص بعد سقوطهم المدوى الذي أعقب عزل "محمد مرسي"، وإيقاف العمل بالدستور، وتعيين رئيس جمهورية مؤقت، وإعلان خارطة طريق جديدة.
ويبدو أن صدمة الفشل السياسي ومرارة السقوط التاريخى لمشروع جماعة الإخوان المسلمين أصابت قادتهم بخلل عقلى جسيم! وليس أدل على ذلك من ترحيبهم بالتدخل الأجنبى لإنقاذهم وإعادة "محمد مرسي" إلى كرسى الرئاسة مرة أخرى!
وإذا تابعنا دعاوى الشرعية واعتصاماتهم المسلحة في "رابعة والنهضة" ومظاهراتهم الفوضوية في أنحاء البلاد، لأدركنا أنه بالإضافة إلى تهافت العقل الإخوانى التقليدى فإن قادة الجماعة يعانون من الإفلاس الفكرى والجدب السياسي الذي دفعهم إلى حشد الجماهير والهتاف لعودة "مرسي"، وكأن الجماعة يمكن أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء بعد الموجة الثورية الجسورة في 30 يونيو، والتي بادرت القوات المسلحة بقيادة الفريق أول "السيسى" بدعمها.
قد تكون هذه المظاهرات الخائبة رد فعل طبيعى لصدمة السقوط، غير أن بعض المبادرات التي دعا إليها بعض قادة الإخوان في الفترة الأخيرة وعلى رأسهم الدكتور "محمد على بشر" وزير الحكم المحلى السابق تدل دلالة قاطعة على أن التهافت الفكرى للجماعة تحول إلى خبل عقلى!
والدليل على ذلك أن المبادرة تدعو إلى الإفراج عن "مرسي" وضمان خروجه الآمن والإفراج عن كل القيادات الإخوانية (مع أنهم متهمون في قضايا جنائية)، وأغرب من ذلك ضرورة تعيين نائب إخوانى لرئيس الجمهورية ونائب إخوانى لرئيس الوزراء، وذلك كله حتى تتوقف المظاهرات الإخوانية!
وهذه المبادرة الهزلية تدل على أن قادة الإخوان المسلمين غير قادرين على التعلم لا من الخبرات المؤلمة للجماعة في المراحل التاريخية السابقة ولا من التاريخ!
وليس أدل على ذلك أن هؤلاء الزعماء المزعومين انتقلوا من العدوان على الدولة والسلطة إلى الهجوم على الشعب نفسه وترويعه بالمظاهرات الفوضوية التي تريد أن تروع الجماهير وتعطل مصالحها الحيوية!
وهذه أول حالة في التاريخ تسعى فيها جماعة سياسية للعدوان على الشعب الذي تريد أن تحكمه زورًا وبهتانًا !