رئيس التحرير
عصام كامل

"نائب الرئيس" منصب حير كل العصور.. "عبد الناصر" أفرط في استخدامه.. "السادات" توخى الحذر منه.. "مبارك" استخدمه كطوق نجاة.. "مرسي" نائبه تخلى عنه.. "دستور 30 يونيو" تجاهل وجوده

لجنة الخمسين لتعديل
لجنة الخمسين لتعديل الدستور - صورة أرشيفية

في وقت تستعد فيه مصر لدستور جديد بعد ثورة 30 يونيو وبعد إسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين رأت لجنة الدستور عدم النص على وجود نائب للرئيس، مبررة ذلك بأن نظام الحكم سيكون شبه رئاسي يكون الدور الأكبر فيه لرئيس الحكومة، وأن يشارك الرئيس في رسم السياسات، وبالتالي لا يوجد منطق لوجود نائب الرئيس، في نفس التوقيت الذي أعلنت فيه القوى السياسية عن تأييدها لفكرة وجود نائب للرئيس.

وعلى خطى جماعة الإخوان المسلمين تسير لجنة تعديل الدستور، الجماعة رفضت فكرة تعيين نائب لرئيس الجمهورية، فعلى الرغم من إقدام الرئيس المعزول محمد مرسي على تعيين نائب مؤقت له وهو المستشار محمود مكي إلا أن دستور ٢٠١٢ خلا ربما لأول مرة في تاريخ الدساتير المصرية منذ إعلان قيام الجمهورية عام 1953 من أي إشارة إلى منصب نائب الرئيس، ومن المعروف أن المادة ٨٢ من دستور ١٩٧١ نصت بوضوح على أنه "إذا قام مانع يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية اختصاصاته أناب عنه نائب رئيس الجمهورية"، وأن هذا النص عدل في تعديلات ٢٠٠٧، ليصبح كالتالي: "إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية اختصاصاته أناب عنه نائب رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء، عند عدم وجود نائب لرئيس الجمهورية أو تعذر نيابته عنه"، إلا أن فكرة النائب غابت عن أنظمة الحكم السابقة.

محمد نجيب - أول رئيس جمهورية بعد إلغاء الملكية عقب ثورة يوليو - لم يستمر في الحكم سوى عدة أشهر؛ حيث استقال في نوفمبر 1954، بعد خلافات ضارية عصفت بعلاقته بمجلس قيادة الثورة، وكانت تلك الخلافات تدور حول فكرة تسليم السلطة وعودة الجيش لثكناته، ورفضه تصرفات بعض الضباط، لم يتسن له فرصة تعيين نائب له، لكن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر - عضو مجلس قيادة الثورة وقتها - كان ذا نفوذ قوي لكنه لم يكن نائبا لرئيس للجمهورية، بل كان "نائب رئيس" في الظل وربما أقوى من ذلك.

وخلال هذه الفترة قاد ناصر تيارا مضادا لنجيب في مجلس قيادة الثورة، وانحاز له معظم الأعضاء، فأقيل أول رئيس للجمهورية الأولى في 14 نوفمبر 1954، وفرضت عليه الإقامة الجبرية إلى أن توفي عام 1984.

وأثناء حقبة تولي عبد الناصر الحكم اختلف الوضع تماما؛ حيث مثلت فترة حكمه أكثر فترة شهدت تعيينات لنواب الرؤساء، بدأت من 7 مارس 1958 حين قرر ناصر تعيين نائبين له، وهما: المشير عبد الحكيم عامر وعبد اللطيف البغدادي، الذي تم تعيينه نائبا لرئيس الجمهورية لشئون الإنتاج، وجاءت نهاية عامر مع نكسة يونيو 1967، وتم تحديد إقامته جبريا في منزله بعد اتهامه بالتخطيط للانقلاب على نظام الرئيس جمال عبد الناصر، فيما اعتزل البغدادي الحياة السياسية تماما.

وفي عام 1961 عُين زكريا محيي الدين نائبًا لرئيس الجمهورية للمؤسسات حتى مارس 1968، وكان قد تقدم باستقالته في أعقاب تنحي الرئيس عبد الناصر عن الحكم بعد هزيمة يونيو، وأعيد تعيينه في أكتوبر 1967 حتى مارس 1968.

وفي نفس توقيت تعيين محيي الدين عين حسين الشافعي نائبًا لرئيس الجمهورية؛ حيث كان الرئيس عبد الناصر يؤسس في تلك الفترة لفكرة وجود أكثر من نائب، ترسيخا لمبدأ العمل الجماعي الذي كان متأثرا بالروح الثورية التي كانت سائدة آنذاك، وامتدت فترة عمله حتى تولى الرئيس الراحل محمد أنور السادات.

وكان كمال الدين حسين أحد نواب "ناصر" في الفترة من أغسطس 1961 حتى مارس 1964؛ حيث عمل نائبا لرئيس الجمهورية للخدمات المحلية والإسكان والمرافق، وانتهى به الأمر إلى تحديد إقامته في استراحته بالهرم؛ بسبب خلاف بينه وبين مجلس قيادة الثورة، بالإضافة إلى حسن إبراهيم - أحد الضباط الأحرار - وعمل نائبًا لرئيس الجمهورية في الفترة من 1964-1966 قبل أن يعتزل العمل السياسي هو أيضا.

ويعتبر علي صبري أحد أخطر من تولوا منصب نائب رئيس الجمهورية، لما كان له من سلطة ونفوذ باعتباره مقربا من الرئيس جمال عبد الناصر من جهة والجانب الروسي من جهة أخرى، وقد عُين نائبا لرئيس الجمهورية من 1965-1968 ثم من 1970-1971، وكان نائب الرئيس لشئون الدفاع الجوي وكان مسئول قسم الاتصالات بالسوفيت فيما يتعلق بشئون التسليح والتدريب، إلى أن تدهورت العلاقة بينه وبين الرئيس الراحل محمد أنور السادات؛ بسبب خلاف حول طريقة إدارة البلاد وفرض القوة والنفوذ، وتمت الإطاحة به من منصبه كمقدمة لما عرف فيما بعد بثورة التصحيح في 15 مايو 1975، حيث اقتيد عدد من كبار رجال الرئيس إلى السجون بتهمة التآمر على نظام الرئيس السادات.

آخر نواب عبد الناصر هو الرئيس الراحل محمد أنور السادات؛ حيث أوكل له ناصر هذا المنصب بسبب تزايد الخلافات داخل مجلس قيادة الثورة، خاصة بعد هزيمة يونيو وتولى هذه المهمة من ديسمبر 1969 حتى وفاة عبد الناصر، أما النائب محمد فوزي فقد خدم في فترة حكم الرئيس السادات من يناير 1972 حتى سبتمبر 1974.

وفي 15 أبريل عام 1975 تم تعيين الرئيس السابق حسني مبارك نائبًا للرئيس السادات بعد عام واحد من تعيينه لرتبة فريق أول طيار؛ ليأتي تعيين مبارك في هذا المنصب تتويجا لحالة الزهو السياسي التي كان يعيشها بحكم دور سلاح الطيران في حسم حرب أكتوبر، وكان قد لعب نائب الرئيس دورا في الأزمة السياسية التي اشتعلت بين الرئيس السادات وبين قائد أركان الجيش المصري وقتها الفريق سعد الدين الشاذلي، وكان هو من أبلغه خبر تعيين الرئيس له سفيرا في لندن.

وبعد اغتيال الرئيس السادات، اعتلى الرئيس الأسبق حسني مبارك سدة الحكم، ومنذ ذلك التوقيت ظل منصب النائب شاغرا، لا يجرؤ شخص على مجرد التفكير في الاقتراب منه؛ بسبب إصرار الرئيس السابق طوال سنوات حكمه الثلاثين على إبقاء هذا المنصب على تلك الحالة، لا سيما وقد رسخ التكرار لفكرة توريث الحكم لنائب الرئيس، كما حدث مع السادات ومبارك نفسه، وبعد فترة حكم دامت لـ30 عاما أدرك مبارك أنه لا مفر من تعيين نائب له، بعد اجتياح المظاهرات للشوارع مطالبة بإسقاط النظام، مما أجبر مبارك على التراجع عن رفضه السابق بتعيين نائب للرئيس وجاء بعمر سليمان – رئيس المخابرات وقتها – في خطوة لتهدئة وطأة الاحتجاجات الشعبية، ولم يتغير أداء سليمان عن مبارك كثيرا لا في أسلوب الخطاب، ولا في التصرفات التي يعتقد البعض أنها يشوبها البطء الشديد، والذي لم يتناسب مع إيقاع وتسارع وتطورات الأوضاع آنذاك، فضلا عن صدامه مع المعتصمين بالتحرير من خلال عبارات أثارت غضبهم، مثل تأكيده على أن الرئيس لن يرحل وسيبقى حتى انتهاء ولايته تماما.

وكان آخر أدوار سليمان خروجه عبر الشاشات ليعلن تنحي مبارك عن مهام منصبه وتسليمها للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولم يظهر الرجل بعدها سوى في الأيام الأخيرة قبل الانتخابات في شهر يونيو، قبل أن يختفي مرة أخرى عقب فشله في إتمام إجراءات الترشح، ويوارى الثرى في السابع عشر من شهر يوليو الماضي.

ومع بداية عصر الإخوان قرر مرسي تعيين المستشار محمود مكي نائبا لرئيس الجمهورية، والذي ظل لوقت طويل رمزا لتيار الاستقلال داخل القضاء المصري؛ ليكون أول نائب للرئيس عقب قيام ثورة 25 يناير، لكنه استقال بعد أزمة الإعلان الدستوري في نوفمبر من العام الماضي.

وبعد ثورة 30 يونيو استمرت رحلة نائب الرئيس مع الدكتور محمد البرادعي، بعدما أصدر الرئيس المؤقت عدلي منصور قرارا بتعيينه نائبا لرئيس الجمهورية للعلاقات الخارجية، ولكنه استقال سريعا معترضا على الطريقة التي تم بها فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في أغسطس الماضي.
الجريدة الرسمية