رئيس التحرير
عصام كامل

النصوص الوهمية في الدساتير الأجنبية - عود على بدء


إذا ما اجتهد باحث في تأصيل مقترح أو في تمحيص مصطلح فإنهم بما يقول مستهزئون وإن ذكروا لا يذكرون.. ألا يتدبرون القول؟ ألا ساء ما يحكمون.. على عقولهم أغلالها وعلى قلوبهم أوصادها فلم يروا في العلم نفعا إلا قليلا ولم يروا في الفكر جهدا إلا يسيرا.


وإذا كانت معارف القانون الحديثة أعيت جهدوهم فكانت لهم للضعيف نذيرا .. أبوا أن يقلبوا صفحات الدساتير واختلقوا منها ما ليس فيها بلا معرفة وكأنها طلاسم أمام غى ضرير غير جاد وغير بصير.

فتردت نظرتهم لعلم القانون بين المبهم وغير المدرك وصارت دساتير الغرب لهم وكأنها ملبد أملود.. وما كانت لهم حاجة للاستشهاد بها والتدليل منها اللهم إلا للانتقاء منها وليس للاستقصاء.

فإذا بالبعض يدعى بغير علم أن دستور النرويج الصادر في ١٨١٤ أبقى إلى يومنا هذا على المادة الثانية منه التي تنص على «أن الإنجيلية اللوثرية ستظل الدين الرسمى للدولة ويلتزم السكان المعتنقون لها بتنشئة أولادهم بموجبها».. واستشهدوا بمقال الدكتور محمد عمارة الذي يقرر ذلك.. ومع ذلك فأى باحث في القانون الدستورى المقارن يعرف أن هذا النص لم يعد له وجود اليوم.. وذكره والاستشهاد به هو جهل بالتعديلات الدستورية اللاحقة لهذه المادة التي ألغيت تماما وأصبحت على النحو التالى: " أساس قيمنا هو التراث المسيحى والإنسانى وأن يضمن الدستور الديمقراطيه وسيادة القانون وحقوق الإنسان"( انظر هذا النص في التعديلات اللاحقة ولاسيما تعديل ١٢ مايو ٢٠١٢ المعمول به اعتبارا من ١٥ مايو).. فإذا كانت الاستعارة من النظام الدستورى النرويجى الحالى تعني السيد سعد الأزهرى إلى هذه الدرجة فنحن نوافق على أن نلتمس في النرويج الموعظة الحسنة طالما التمسها الشيخ قبلنا. 

"وعلى طريقة لا تقربوا الصلاة: يستشهدون بمادة في الدستور الأيسلندى تقول إن الدولة تحمى وترعى الكنيسة.. ولكنهم لم يشيروا إلى أن هذا النص له بقية: يجوز تعديل هذا النص بقانون وأن الجميع لهم الحق في إنشاء جمعيات دينية لممارسة دياناتهم وفقا لمعتقداتهم".

أما عن دستور كوستاريكا الذي يؤكد بالفعل أن دين الدولة هو الكاثوليكية فإنه قد نص في ذات الوقت على الحرية الكاملة في العقيدة ووجوب دعم حرية الاعتقاد في الواقع ولا يجوز أن يتقلد الوظائف العليا في الدولة شخصيات دينيه وتقوم وزارة التعليم بدعم المدارس الكاثوليكية وغير الكاثوليكية على حد سواء.

وأما عن الدساتير الأخرى المذكورة في مقال الدكتور عمارة وتدوينة السيد سعد الأزهرى فقد سبق الرد عليها في مقال آخر بعنوان الدساتير الأوربية المفترى عليها وتم فيه إيضاح حقيقتين: أولا غياب بعض النصوص التي استشهدوا بها من الدساتير المذكورة.. وثانيا الأبعاد القانونية لهذه النصوص ووجود ضمانات أخرى في ذات الدساتير لتحدد نطاق تطبيق النص المذكور وتمنع تطبيقه في إطلاقه.. وهذه الحقائق لم يذكرها الدكتور عمارة ولا السيد سعد الأزهرى. 

وفي جميع الأحوال فليس في كافة الأمثلة السابقة على عدتها من التي ذكرها الدكتور عمارة في مقاله أو السيد سعد الأزهرى في تدوينته أي نص يجعل من الدين مصدرا رئيسيا أو حتى احتياطيا لتشريع هذه الدولة الأجنبية.

هذا وهم أو ضلال أو كلاهما معا ولا أدرى لماذا يولون وجوههم شطر الغرب بصفة مستمرة ثم يخرجون منه النصوص الانتقائية.. فلا يذكرون أبدا أن فرنسا تعدل دستورها إذا كان مخالفا لمعاهدة دولية (انظر المادتين ٥٤ و٥٥ ) ولا أن هولاندا وفقا لدستورها الحالى تجعل من القواعد الدولية والمعاهدات قيمة فوق دستورية.

ومع ذلك فليس ذلك هو ما أريده لمصر.. لا للتقليد الأعمى ولا للنهج القياسي الفاسد.. وقد أثبتنا أنه كان قياسا فاسدا لعدم اتحاد العلة أو لخصوصية الحالات المقاس عليها أو لعدم وجود قاعده أصلا يقاس عليها فيما ادعوه.
الجريدة الرسمية