رئيس التحرير
عصام كامل

هذيان الخليفة أرودغان


عندما كان رجب طيب أردوغان، محافظا لإسطنبول ألقى خطبة نارية بين حشد من أتباعه قال فيها: "الديمقراطية ليست إلا قطارا نركبه فقط حتى نصل لهدفنا.. المساجد هي ثكناتنا العسكرية والمآذن هي رماحنا والقباب هي خوذاتنا"، تسببت هذه الكلمات في سجنه فأدرك حدوده في دولة علمانية واستوعب الدرس، خاصة وقد رأى ما حدث لرئيس الوزراء الإسلامي أربكان من الجيش القوى المسيطر وقتها.


قرر أردوغان، كما يفعل كثير من الإسلاميين حاليا تدمير العلمانية بالظهور بقبول العلمانية، وتقويض الديمقراطية من خلال المشاركة في العملية الديمقراطية، ورغم نجاحه واستقرار حكمه بعد أن روض مؤسسات الدولة التركية لصالح حزبه، إلا أن حلم أردوغان الأكبر الذي يسيطر على نومه ويقظته، هو أن يصير خليفة للمسلمين أو أي شكل آخر لا يخرج عن مضمون هذه الخلافة، ولكن تحت عباءة الإخوان هذه المرة وليست العباءة العثمانية.

استعان أردوغان بصديقه الأكاديمي الإخواني أحمد داود أوغلو ليقدم له خريطة طريق للوصول لهذه الخلافة، ومن خلال دراسة سلوك أردوغان وحزبه يمكن تلخيص هذه الخطة في عدة أمور: -

الأمر الأول، هو سياسة تصفير المشاكل مع الجيران كما اقترحها أحمد داود أوغلو، وفلسفتها أنه لكى تحقق حلمك في الهيمنة على هذه المنطقة فلابد من أن تكون مقبولا وتحوذ ثقة الجيران وتنهى أية مشاكل بين تركيا وبينهم، أي تجعل المشاكل صفرية، وبالفعل تحرك أوردوغان كما لو كان حمامة سلام تسعى للتعاون الإيجابى مع كل الجيران.

الأمر الثانى، هو أن تقدم نفسك للغرب وخاصة بعد 11 سبتمبر 2001، على أنك تملك خلطة سحرية لتحويل الإسلام الحربي إلى إسلام ديمقراطي، وهذه الخلطة تقدم للغرب على أنها كفيلة بجذب واحتواء تيارات الإسلام السياسي والجهادي إلى حضن العملية الديمقراطية السلمية، وقد انبهرت الولايات المتحدة التواقة لاحتواء هذا التيار من الطرح الأردوغاني، حتى صار أردوغان وحزبه هو مضرب المثل في واشنطن يشار إليه على أنه حقق معجزة فشل في تحقيقها المسلمون على مدى 1400 عام.

الأمر الثالث، هو تحقيق طفرة اقتصادية تجعلك ترسخ أقدامك في الحكم، بل وتساعدك على تفكيك هياكل الدولة القديمة لصالح النموذج الجديد بتشجيع ومساندة غربية، وقد اتجه لتحقيق هذه البالونة الاقتصادية عن طريق عاملين، الأول دعوة الغرب للاستثمار في تركيا للمساعدة في نجاح هذا النموذج، والثانى التوجه للدول الإسلامية ومحاولة توسيع حجم الصادرات التركية إليها بعد سياسة تصفير المشاكل معها، وجذب استثمارات إسلامية وعربية كذلك لتركيا، وبالفعل تحققت طفرة اقتصادية بالونية وليست حقيقية، ولكنها على كل الأحوال جعلته يرسخ أقدامه بشدة في تركيا.

الأمر الرابع، الإفصاح عن سياسات الهيمنة والأخونة من خلال مشاركة أمريكا والغرب في خطة حكم الإسلاميين للمنطقة، وخاصة الإخوان المسلمين، ومن ثم التخطيط لتحقيق حلمه وهوسه في أن يكون خليفة للمسلمين، ولكن عصبية أرودغان وعنجهيته وتعجله في تحقيق حلمه جعلته ينكشف رويدا رويدا.

بدأت أولى خطوات الانكشاف بالصدام مع إسرائيل بعد أن أصبح يتحدث كالطاووس مقدما نفسه للعرب على أنه الفارس القادم من أعماق التاريخ لتحرير فلسطين، ولكنه تلقى درسا دمويا من إسرائيل جعله يدرك حجمه في هذا الملف الشائك ويعرف الخطوط الدولية الحمراء.

جاءت الخطوة الثانية في ميدان تقسيم، حيث تحالف مع رجال أعمال فاسدين ومنهم زوج ابنته صاحب شركة المقاولات التي تمتلك المشروع، وكان الانفجار الشعبي ضده حتى إنه كإخواني مغرم بالمؤامرة تخيل أن هناك مؤامرة دولية لإسقاطه، وهذا الصدام مع شعبه أظهر للعالم كله وجهه الديكتاتوري القبيح، حتى إن تركيا حاليا بها أعلى معدلات لحبس الصحفيين في العالم كله.

ولكن انكشافه الأكبر جاء مع ما يسمى بالربيع العربى أو بالتسمية الصحيحة الربيع الإخواني، فقد كان أردوغان إحدى القوى الدولية المتحالفة لضرب ليبيا، وبعد سقوطها وسقوط تونس في يد الإسلاميين وسقوط مصر كذلك بأيديهم سارع بزيارة هذه الدول كفاعل رئيسي في الأحداث وكداعم لحكم الإخوان، وغمرها بالعديد من رجال مخابراته، وارتفعت أحلامه إلى عنان السماء، حتى ولو تظاهر بعكس ذلك في القاهرة معاتبا إخوان مصر بالتسرع بإعلان حلم الخلافة قبل أن تستوى المنطقة.

ولكن جن جنون أرودغان عندما تعثر مشروع تمكين الإخوان في سوريا، وحول حدوده مع سوريا إلى مسرح لجذب عتاة الإرهابيين من العالم كله وتسليحهم وتمويلهم لإسقاط نظام بشار، أما بعد سقوط الإخوان في مصر فقط أصيب بما يشبه اللوثة من جراء ضياع حلمه فراح يهرتل ويهذي ويحرض ويوزع الاتهامات في كل اتجاه.

لقد تشكك العرب من البداية في توجهات أردوغان للتقارب معهم، وتحفظوا على دوره وطموحه فيما يسمى بالربيع العربي، خاصة بعد أن قال في جلسة خاصة مع رئيس عربي العام الماضي أثناء انعقاد نادي دافوس إن الديمقراطية الغربية هي بمثابة محطة أتوبيس أما محطته النهائية فهى الخلافة الإسلامية، واكتشفوا تماما وجهه القبيح بعد سلوكه تجاه ثورة 30 يونيو في مصر.

لقد كان لسان حال العرب منذ البداية يقول لأردوغان: نقبلك كشريك تجاري في عالم متداخل ولكن نرفض أي محاولة لإعادة بعث التاريخ العثمانى القبيح ونرفض عودة الخلافة التي ساهمنا في إسقاطها، نقبلك كتركي ولا نقبلك كإخواني، نعترف بك كقوة إقليمية ولكن نرفض أن تكون قوة مهيمنة، نتشكك في دورك كوكيل للغرب تساهم في إعادة تشكيل المنطقة باعتبارها رجل العالم المريض.

لقد سقط النموذج الأردوغاني إقليميا ودوليا وعلى المستوى السياسي والدينى وقريبا ستنفجر بالونته الاقتصادية ليظهر وجهه الإخوانى
العثماني القبيح كشخص يريد تحقيق أحلامه حتى ولو كان ذلك على جثث شعوب المنطقة.
نقلا عن جريدة فيتو
الجريدة الرسمية