رئيس التحرير
عصام كامل

محاولة لفهم موقف البرادعي


الدكتور محمد البرادعى قامة مصرية وطنية كبيرة، كان له دور بارز منذ عودته إلى مصر عام 2009 محركا وملهما للحركة الوطنية المصرية لكى تثور على الفساد والاستبداد والركود والشللية.


هذه المقدمة ضرورية لكى توضح مدى تقديرى للرجل وإن خلافى معه في هذا المقال ليس جزءا من الحملة المدارة ضده هذه الأيام من نفس وجوه نظام مبارك تقريبا. هذه المقالة هي محاولة لتوضيح هذا الاختلاف مع أفكاره وتوجهاته، وأيضا محاولة لتفسير مواقف البرادعى الأخيرة. لقد قرأت حوار الدكتور البرادعى مع الواشنطن بوست بتاريخ 2 أغسطس 2013، وكانت العبارات واضحة تماما ولكنه حاول التنصل منها معللا بإساءة فهم ما قاله، ولكنه في حوار شامل لصحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 6 أغسطس 2013 عاد وكرر ما قاله في الواشنطن بوست تقريبا لكن بطريقة غير مباشرة.


فكرة البرادعى بسيطة وواضحة وهى الخروج الآمن لقيادات وأعضاء الإخوان في مقابل وقف العنف، ثم بعد ذلك عودتهم للحياة السياسية كما كانوا والتفاوض معهم حول ما يطلبونه على ألا يكون ضمن هذه الطلبات عودة مرسي للحكم، وأى شيء بخلاف ذلك يمكن الحوار حوله. ويتشارك البرادعى مع جون ماكين في تعليله لهذه التنازلات حتى لا تتحول مصر إلى بحور من الدماء على غرار الجزائر والعراق وسوريا.

ولهذا كما يقول "يود أن يرى الإخوان والسلفيين يشاركون في كتابة الدستور، وأن يستمر حزبهم مثل السلفيين إذا كانوا يرغبون في العمل السياسي"، وهو يرفض "شيطنة الإخوان، لأنهم جزء من الشعب المصرى الذي يجب أن أضمن حقوقه في الحرية والعيش والكرامة الإنسانية".

المشكلة ليست في مجمل أحاديث الدكتور البرادعى التي تبدو عصرية وعاقلة، ولكن المشكلة في تفاصيلها حيث تحتوى على منطق مرتبك ومناطق متناقضة وفروض غير صحيحة وأشياء مثالية غير واقعية وأيادٍ مرتعشة.

ينطلق البرادعى من فرضية خاطئة أولية بأنهم مجرد مجموعة فشلت في الحكم ولا يرى أي خطورة لتنظيمهم، ولا يرى أنهم فشلوا في الحكم لأنهم مجموعة خطيرة عابرة للحدود لا تعمل أي حساب للأوطان، كما أنها مجموعة دينية فاشية تهدد بسحب مصر قرونا للوراء بحيل خداعية تارة وبالعنف تارة أخرى.. والسؤال للدكتور البرادعى هل يمكن أن تتقدم مصر وهذه المجموعات الدينية الفاشية تلعب دورا أساسيا مشاركا في الحياة السياسية؟

الفرض الخطأ الثانى للبرادعى هو طرحه لفكرة وجود تيار كبير يدعو إلى إقصائهم، والحقيقة غير ذلك تماما، هذا التيار المصرى الكبير يدعو إلى إقصاء أيديولوجيتهم وتمصير ولائهم وتقويم أفكارهم حتى تنطلق مصر للأمام، ولا يدعو لإقصائهم كأفراد فهذا حق قانونى ودستورى لا يستطيع أحد المساس به. بصراحة البرادعى يتماهى مع الرؤية الأمريكية والأوربية بالحفاظ عليهم كتنظيم دينى، وهذا يخدم مصالح الغرب ومصالح دول في المنطقة ولا يخدم مصلحة مصر مطلقا.

الخطأ الفرضى الثالث الذي انطلق منه الدكتور البرادعى هو قوله إن المصريين يشيطنون الإخوان رغم أن العكس هو الصحيح. الإخوان يكفرون ويشيطنون ويهددون كل المصريين، كل ما فعله المصريون هو كشف وتعرية الإخوان من خلال تسليط الضوء على أفكارهم وسلوكهم.

الخطأ الفرضى الرابع هو حديثه عن خطورة أن تتحول مصر إلى حرب أهلية مثل الجزائر وسوريا والعراق، ففى تقديرى أن هذا بعيد عن الحالة المصرية. هذه الحرب ستحدث في حالة واحدة وهى أن تكون هناك خطة أمريكية تركية قطرية أوربية لإشعال هذه الحرب وتغذيتها بالسلاح والمال والإرهابيين العابرين للحدود كما فعلوا في سوريا، لكن في تقديرى أن هذا الفرض بعيد في الوقت الحالى.

مصر ليست دولة منقسمة دينيا وطائفيا مثل سوريا والعراق، فالأقباط الذين يشكلون الآخر الدينى يعملون على وحدة مصر ويتحملون الكثير من أجل ذلك، فلماذا يتعالى فصيل دينى صغير على أغلبية تنتمى لنفس مذهبه السنى؟ وهل هم أكثر تقوى وإيمانا من بقية المسلمين السنة في مصر؟ الإجابة قطعا بالنفى.

الخطأ المنهجى الخامس الذي وقع فيه الدكتور البرادعى ان فكرة الخروج الآمن والعفو تتناقض مع دولة القانون التي يدعو إليها، بل هي تهدم دولة القانون من الأساس، خاصة إذا كانت هناك جرائم جنائية خطيرة قام بها الإخوان على الملأ واتهامات بالتجسس من محكمة مصرية، فكيف ستواجهون الناس بعد ذلك؟ هل ستقولون لهم إننا كنا كاذبين واتهمنا الإخوان ظلما؟ أم أن أرواحكم وأمنكم القومى لا قيمة لهما عندنا من اجل عيون الإخوان؟
خير الكلام وختامه لوصف الحالة المصرية
كثيرون حول السلطة قليلون حول الوطن.......غاندي

الجريدة الرسمية