رئيس التحرير
عصام كامل

البرادعى وخيانة مصر


منذ ظهور الدكتور محمد البرادعى، على الساحة السياسية المصرية وهو يوم بعد يوم يقدم مفاجآت عديدة ويلقى الأحجار فى المياه الراكدة لتغيير الواقع المصري، ولكن أغلب قراراته تكون عكس ما يتوقعه مؤيدوه ومناصروه، ولذلك هو رجل لا يعرف أحد كيف يفكر وما هى طريقة اتخاذه لقراراته، ولكن لن يستطيع أحد أن ينكر دوره فى انتقاد نظام مبارك ومحاولة تغيير الأوضاع الفاسدة ومحاربة مؤامرة التوريث، فهو واحد ممن شاركوا وساهموا فى قيام ثورة 25 يناير.


ولكنه اليوم كعادته، صدم الجميع بإعلان استقالته من منصب نائب رئيس الجمهورية فى ظل ظروف عصيبة تمر بها البلاد ومواجهات عنيفة دموية بين الموجة الثانية من الثورة وجماعة الإخوان المسلمين، والسؤال الأهم هل قدم البرادعى استقالته اعتراضا على الحل الأمنى وفض اعتصامات الإخوان بالقوة أم ماذا؟ فهو صاحب فكرة الخروج الآمن لهم عبر صفقة كبرى يخرج فيها قياداتهم من السجون ويندمجون داخل المشهد السياسي الجديد مقابل فض الاعتصامات وإنهاء حالة الحرب السياسية الحالية فى الشارع المصري وهو يعلم جيدا أن المفاوضات فشلت لرغبة الإخوان فى العودة للحكم بأى ثمن، فهل يخذل البرادعى مؤيديه أم يهرب من المسئولية السياسية وثقة شباب الثورة به أم ماذا؟

أعتقد أن الدكتور البرادعى شعر أن مصر لا تعيش حالة ديمقراطية حقيقية بعد الثورة، فالجميع يجرى فى سباق الحصول على المكاسب، والعنف الأمنى ضد المواطنين مستمر وشهداء الثورة يتزايدون ولا توجد مكاسب حقيقية للثورة المصرية، فحسب بيانه أن مصر تعانى من غياب تام للحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان والحكم الرشيد والتوافق المتجمع والمساواة التامة بين جميع المواطنين دون تفرقة أو إقصاء أو تمييز، ولكن هل عندما تشتد الأزمات وتمر مصر بظروف عصيبة يهرب البرادعى من ميدان الثورة ويختفى هل هذه أخلاق الثوار الحقيقيين فمن قبل انسحب من الانتخابات الرئاسية وقبلها فشل الجمعية الوطنية للتغيير وعدم وضوح موقفه تجاه جماعة الإخوان المسلمين وأشياء كثيرة تدعونا نتساءل كيف تريد خدمة هذا الوطن وأنت تهرب من مشكلاته ولا تواجه وتقاوم من أجل عبور هذه الأزمات؟! فهل يريد وطنا خاليا من الصراعات والخلافات ليحكمه؟ هل يتوهم أنه سيحكم المدينة الفاضلة أم ماذا ؟

البرادعى فى استقالته يقدم أسبابًا غير منطقية تدل على ضعف موقفه وعدم فهمه للواقع السياسي المصرى والأهم سلبيته المعتادة فى مواجهة الأزمات اليومية للشارع السياسي، فعلى سبيل المثال هو يقول إن أزمة مصر فى الاستقطاب السياسى الحاد وتوظيف الدين فى الصراعات السياسية وهذا واقع ولكن أين دوره فى تقريب وجهات النظر وإنهاء حالة الاستقطاب الدائرة، فلم نجد أى شىء على أرض الواقع يكرس لسياسات المصالحة الوطنية وإعلاء قيم المواطنة والمحبة بين صفوف الشعب المصري.

البرادعى يريد بهذه الاستقالة أن يهرب من المشهد ولا يعترف بدوره فى الأزمة الحالية، فكان شرفا له أن يوضح للرأى العام كواليس الصفقات الفاشلة بينه وبين جماعة الإخوان المسلمين ومن السبب فى تأزم المشهد وانسداد كل قنوات الحوار بين مؤسسة الرئاسة والإخوان، فالتاريخ لن يغفر له هروبه من ميدان المعركة فمصر تحتاج للرجال الأقوياء القادرين على الصمود فى فترات الأزمات والفاشلين مصيرهم مزبلة التاريخ.
dreemstars@gmail.com
الجريدة الرسمية