رئيس التحرير
عصام كامل

بلطجية وكاذبون!

لم يبذل أحد مثل ما بذلته مصر للقضية الفلسطينية رغم وجودها على خط المواجهة مع الكيان الصهيوني عكس من يناضل بالكلام وهو بعيد بآلاف الكيلومترات.. ومنذ 7 أكتوبر الماضي والقاهرة لا تنام، ليس لوقف نزيف الدم الفلسطيني فحسب وهو غالى، ولكن لاستغلال اشتعال الموقف في التصعيد لإقامة الدولة الفلسطينية مستغلين التعاطف الدولي والشعبي في جميع أنحاء العالم.

المهم أجلنا الذهاب إلى محكمة العدل الدولية عسى أن تنجح المفاوضات لوقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية، وعندما أثبتنا للعالم المراوغات الإسرائيلية والتي ندركها عن ظهر قلب ذهبنا لمحكمة العدل الدولية إلى جانب جنوب أفريقيا، وكنت أنتظر قرارا جماعيا من القمة العربية الأخيرة بالانضمام إلى هذه القضية وليكون لبياناتنا قيمة فعلية على أرض الواقع!


وانضمام مصر أعطى زخما وثقلا للقضية كما قالت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا، ولآن كرة الثلج بدأت في التدحرج، ونحن الآن فى انتظار صدر قرار الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو ووزير دفاعه لجرائم الحرب التي ارتكبوها في غزة.

 

صحيح القرار شمل 3 من قادة حماس وساوى بين الضحية والجلاد، لكن هذا لا يهم لآن من سٌرقت بلده ويدافع عن أرضه وشرفه ونفسه لا يهاب محاكمة ولا معتقل وجميعهم ذاق معتقلات العدو فلا ينتقص منهم السجن في سجون أوروبا المتحضرة!

 

لكن تعالوا لنشاهد حجم الغضب الذي أصاب قيادات العدو الذي لم يتعود أي إجراء ولو بسيط ضدهم، شتم وتهديد يعبران عن سلوك البلطجة وسفاكي الدماء، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل هددت واشنطن بعدم دعم الجنائية الدولية ماديا، يعنى مادام الحكم والقانون والقضاء لا يبرر سفكنا للدماء واحتلال أراضي الغير فلن ندفع نصيبنا مثل أي دولة فى المؤسسة الدولية.

 

طبعا انجلترا في مأزق لآن القاضى كريم أحمد خان بريطانى الجنسية من أسكتلندا وعليها حمايته من بلطجة إسرائيل وأمريكا وحلفائهم في لندن!

 

شوفتم بلطجة أكثر من ذلك.. ولان المسلسل مستمر أستغربت ولم أستغرب.. أندهشت ولم أندهش:
لم أستغرب من استخدام واشنطن لحق الفيتو ضد صدور قرار من مجلس الأمن يفتح الباب أمام منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.. ولم أستغرب موقف بريطانيا من عدم الموافقة أيضا على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة له، وإن أكتفت بالصمت وعدم استخدام حق النقض مثلما فعلت أمريكا وهو ما أعتبره الكثير من الدبلوماسيين تقدما كبيرا.. لماذا؟

لان صمت المعارض لك عند التصويت في العرف الدبلوماسي انتصار لأن صوته لن يذهب علي الأقل لعدوك، يعنى ليس معارضه لك، وان كنت أظنه ينطبق عليه الساكت عن الحق شيطان أخرس، ولكن في السياسة نحن في غابة الشياطين!

 

وأعيد ما كتبته وأكرره كثيرا إن الاندهاش والاستغراب الذي لا يتوقف يكون أمام الصهاينة العرب أو المتأمركين العرب في تصديق أكاذيب الكاوبوي الأمريكي وعاصمة الضباب لندن من خلال تصريحات ساكني البيت الأبيض ولندن من أنهم يريدون ويدعمون قيام دولة فلسطينية مستقلة.. وعند المحك مثلما حدث مؤخرا ينكشف الوجه الحقيقي بالرفض..

أكاذيب أمريكية

كل رؤساء أمريكا منذ اتفاقية كامب ديفيد 1979 وحتى الآن ينشدون في المحافل العربية على الربابة للاستهلاك العربي فقط بوعود أقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.

المهم لندن صاحبة المؤامرة الأصلية في وعد بلفور التي سلبت فلسطين وقسمته وأعطت جزء منه لإسرائيل والباقي لم تعطه لأصحابه الأصليين، والآن وبعد مرور 76 عاما تصمت في مجلس الأمن، ولا توافق صراحة على الاعتراف بفلسطين في الأمم المتحدة مثلما فعلت مع إسرائيل.

 

في الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما تقف 143 دولة من دول العالم البالغ 193 دولة، أي ما يفوق أغلبية ثلثي أعضاء الجمعية العامة موافقين على إنضمام فلسطين للأسرة الدولية.. وتشهر أمريكا سيفها ضدهم... فماذا يسمى ذلك؟!

المشكلة أن الأكاذيب الأمريكية مستمرة لتبرير سيف الفيتو الأخير وبشكل سافر.. يقول نائب السفير الأمريكي روبرت وود إن الفيتو الأمريكي "لا يعكس معارضة للدولة الفلسطينية، لكنه اعتراف بأنه لا يمكن أن تنشأ دولة فلسطينية إلا عبر مفاوضات مباشرة بين الجانبين الفلسطيني وإسرائيل.

 

ولم يكتف بذلك بل وجه وزير خارجية أمريكا سيفه للعالم كله بقوله: بموجب القوانين الأمريكية فإن أي اعتراف من قبل الأمم المتحدة بعضوية كاملة لفلسطين يعني قطع كل إمداداتنا لمؤسسات الأمم المتحدة وهذا سيضر حتى بالفلسطينيين، وشوف السخرية من الذهن العربي حين يقول بلينكن: نحن مستمرون في دعم الدولة الفلسطينية بضمان أمن إسرائيل.

 

شوفتم كوميديا سوداء أكثر من ذلك، وبالذمة ماذا نسمى هذا السلوك؟! اندهاشي الحقيقي واستغرابي غير المبرر يأتى من إصرار الصهاينة العرب أو المصدقين لباعة الوهم على تصديق أن أمريكا تريد دوله فلسطينية، أو أن إسرائيل تريد سلاما أو سوف تعطى ذرة رمل واحدة للعرب ليس في فلسطين فحسب ولكن من المحيط للخليج!!

 


لا يصدق البعض المقولة العربية الشهيرة "أُكِلْتُ يوم أُكِل الثور الأبيض" تعبيرا عن الندم والحسرة والتهاون في الحقوق، والإحساس بالتشتت والضياع.. فالأمر يبدأ دائما بالغير وينتهي عندك..  فاحترس ولا تضع نفسك فريسة للخداع... فما يطال غيرك يطالك اليوم أو غدا!!
yousrielsaid@yahoo.com

الجريدة الرسمية