رئيس التحرير
عصام كامل

أمل دنقل.. عاش حياته القصيرة شاردًا ثائرًا.. رفض معاهدة السلام.. قرار رئاسي يمنعه من الكتابة.. ورحل في مثل هذا اليوم قبل 41 عامًا

الشاعر أمل دنقل ورفيقة
الشاعر أمل دنقل ورفيقة مشواره عبلة الروينى

أمل دنقل، الشاعر الجنوبى الذى ملأ مقاهى وسط المدينة شعرا وجدلا ومناقشات لقب بشاعر التمرد ومن أهم الشعراء المطاردين، عاش ثائرا فوضويا شاردا، شخصية خجولة لا يجيد التعبير عن نفسه، أسماه والده أمل بمناسبة حصوله على العالمية فى الأزهر يوم ميلاده،  رحل في مثل هذا اليوم 21 مايو عام 1983.

في قرية القلعة مركز قفط محافظة قنا ولد الشاعر أمل دنقل عام 1940، رحل والده وهو فى العاشرة من عمره، عاش حياة الصعيد ومنها لقب بالجنوبى، وكان قد حفظ القرآن في هذه السن الصغيرة وبعد إتمام دراسته الثانوية ارتحل إلى القاهرة والتحق بكلية الآداب جامعة القاهرة، ثم رحل إلى الإسكندرية وعمل هناك موظفا في الجمارك، واستمر كذلك عامين حتى 1962 كتب في هذه الفترة أهم قصائده (كلمات سبارتكوس الأخيرة )،(رسالة من الشمال ) وغيرهما، 

جائزة أفضل شاعر فى العشرينات من عمره 

ومن الإسكندرية انتقل للعمل بجمرك السويس ولم يكن راضيا عن حياته ففكر في الانتحار لكنه عاد إلى القاهرة وبدأ كتابة الشعر من جديد، وفاز بجائزة أفضل شاعر شاب دون الثلاثين من المجلس الأعلى للفنون والآداب.

الشاعر أمل دنقل 

عشق أمل دنقل القراءة منذ صغره، ويحكى عن مكتبة الكتب الموجودة داخل منزله في طفولته وشبابه، حيث يؤكد أنها كانت الوتد الذي مكنه  من القراءة والمطالعة، مؤكدًا أن علاقته باللغة والقراءة نشأت في البيت وبسبب المناخ المحيط به، وحينما توفي والده، أكد بأنه لم يغير نظام حياته وظلت علاقته بالعالم ورؤيته له من خلال الكتب، وإن أول كتاب ارتبط به في حياته كان كتاب "وا إسلاماه" للكاتب علي أحمد باكثير فكان أول كتاب يدعوه لقراءة العديد من الكتب والروايات لاحقًا.

رفض التعامل مع النظام الليبى رغم حاجته 

أصدر الرئيس أنور السادات قرارا بمنع الشاعر أمل دنقل من الكتابة مع 63 كاتبا آخر منهم توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس بسبب موقف الأدباء من السكوت عن إنهاء حالة اللاسلم واللاحرب، وقتها كان أمل بدون عمل أو مأوى يتنقل بين فنادق الدرجة العاشرة،وذات يوم جاءه خطاب من ليبيا يطلب منه الحضور والعمل فى ليبيا وضمان حياة كريمة إلا أنه رفض بشدة وقال إن النظام الليبي أشد سوءا من النظام المصري وقتئذ.

الشاعر المتمرد أمل دنقل 

عاش أمل دنقل 43 سنة حياة التمرد رغم معاناة الفقر واليتم والاغتراب واستثمر عمره في ستة دواوين نصبته شاعرا رافضا متمردا، وأطلق دنقل على شعره "شعر الرفض" وكانت أشعاره دائما عن العدل الغائب فى مجتمع السقوط فكان الموت حاضرا بقوة فى أشعاره، وبالرغم من أنه نشر أول قصائده "الأشياء الصغيرة" عام 1958 إلا أنه لم يمنح الوقت ليكتب ما يريد من شعره.

عادى معاهدة السلام بقصيدة لا تصالح 


استوحى الشاعر أمل دنقل قصائده من رموز التراث العربي، عاصر عصر أحلام العروبة والثورة المصرية مما ساهم في تشكيل نفسيته وقد أصابته نكسة 1967 بالصدمة التى عبر عنها في رائعته "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" ومجموعته "تعليق على ما حدث " وشاهد النصر فى أكتوبر وصرخ ضد معاهدة السلام فأطلق قصيدته الرائعة " لا تصالح ".

لا تصالح اشهر قصائد أمل دنقل 

عانى الشاعر أمل دنقل من المرض حيث أصابه مرض السرطان اللعين وانتهت معاناته بالرحيل وهو في قمة توهجه الشعرى بعد أن ظل يقاوم المرض بالشعر أربع سنوات، فأخرج فى آخر أيام حياته ديوانه (أوراق الغرفة 8 ) الذي اختتم به حياته في الغرفة 8 بمعهد الأورام القومي وكانت ترافقه زوجته الصحفية الأديبة عبلة الرويني التي أحبها وتزوجها منذ أن أجرت حوارا صحفيا معه على مقهى ريش.

قصيدة أوراق الغرفة رقم 8 

كتب أمل دنقل بعض أبيات وهو على سرير المرض يقول: في غرفة العمليات..كان نقاب الأطباء أبيض..لون المعاطف أبيض..تاج الحكيمات أبيض.. أربطة الشاش والقطن..لون الأسرة..كوب اللبن..الملاءات.. أنبوبة المصل / كل هذا يشيع بقلبى الوهن..كل البياض يذكرنى بالكفن. فلماذا المعزون متشحين بشارات لون الحداد..هل لأن السواد هو لون النجاة من الموت..لون التميمة ضد الزمن / بين لونين أستقبل الأصدقاء الذين يرون سريرى قبرا..وحياتى دهرا..وأرى فى العيون العميقة..لون الحقيقة..لون تراب الوطن.


عاش امل دنقل شاعرا يحمل كل متناقضات الحياة حتى انه عاش فقيرا دون ان يهين شعره، هوجم عندما رثى الشهيد يوسف السباعي بقصيدة حزينة لم ينشرها في أحد دواوينه فاصلا بين الخلاف السياسي وبين علاقة الاصدقاء.

عاش حياة الرفض والاغتراف والفقر 


تعرف على الصحفية الاديبة عبلة الروينى التى تصغره بـ 17 عاما وأحبها وتبادل معها نفس الشعور منذ ان التقته فى حوار على مقهى ريش، فعاشت معه اربع سنوات و9 اشهر هى عمر علاقتهما عاشت فيها الحبيبة المندهشة من عبقريته ورقته فى نفس الوقت، ورحل امل دنقل وهو فى الثالثة والاربعين، عاش فيها حياة الفقر واليتم والمرض والاغتراب ورغم ذلك انتج فيها ستة دواوين نصبته شاعرا وأميرا للرافضين.

الكتابة السياسية نابعة من إحساسه 


قال رفيق مشواره من الجنوب بقنا الى الشمال بالقاهرة والإسكندرية الشاعر عبد الرحمن الأبنودى: أمل ينقل اللحظة التى عايشها وينقل حياته بشكل عام وهو لا يقصد الكتابة السياسية لكنها تكون نابعة من إحساسه، والشاعر الحق هو من يجعل الواقع شعرا والشعر واقعا لأنه فى النهاية يقف مع الحلم ضد الواقع.

صلاح جاهين يكتب قصيدة الموتى لأمل دنقل 

رثا الشاعر الفنان صلاح جاهين صديقه أمل دنقل بقوله فى قصيدته "الموتى": باحكى عن الموتى فى شتى العصور وبأقول ألف رحمة ونور، مش باحكى عن أمل دنقل لأنه عايش رغم سكنى القبور.

 وقال الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة السابق: دنقل شاعرا عروبيا لم تقف كلماته عند حدود الصعيد أو عند حدود مصر بل معبرة عن الوطن العربى كله.

الكاتب يوسف ادريس 


وفى رثاء أمل دنقل يتساءل الأديب يوسف إدريس كلمة طويلة فى حفل تأبينه بحزب التجمع عام 1983 لماذا يموت الشاعر؟ فقد رحل نجيب سرور وصلاح عبد الصبور ويحيى الطاهر عبد الله وأخيرًا أمل دنقل، هل يموت الشاعر من فرط حبه للمغامرة؟ أم يموت مهموما لأن الألم فى الدنيا كثر، وهل يموت ليقول للعالم كلمة عجز عن قولها فى حياته؟ أم أن موت الشاعر حدث مثل غيره من أحداث الحياة عاديا لا معنى له لأنه عاش غريب الدار فى داره بلا وطن وهو فى وطنه.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
 

الجريدة الرسمية