رئيس التحرير
عصام كامل

مظاهرات الجامعات توقظ ضمير العالم

 إن لم تحقق انتفاضة الأقصى سوى تحريك القضية الفلسطينية وتدمير الرواية الإسرائيلية فهذا أكثر من المطلوب، رغم فداحة الدم والشهداء فقد حققت تلك الانتفاضة ما فشل العرب ومؤسساتهم وأجهزتهم و…و… طوال أكثر في تحقيقه من نصف قرن.
 

ولطالما كانت النخبة في جامعات العالم هي الضمير الحي والقاطرة التي تقود ثورات التغيير والإصلاح، والصوت الشريف الرافض للظلم وإعادة الأمور إلى نصابها، وما يحدث في الجامعات الأمريكية هو امتداد للحركة الطلابية العالمية التي قادت ثورة التغيير في القرن الماضي، وبدا أن هناك ضمير يقظ في العالم أقوى من الحكومات والمنظمات الدولية التي فشلت في وقف طغيان القوى العظمى..

مظاهرات الطلاب

 غير أن رد السلطات الأمريكية على مظاهرات الطلاب الرافضين للعدوان الهمجي على غزة كان كاشفا وفاضحا وبدت أمريكا كفقاعة كلامية، تدين وتشجب وتطالب وتمنع وتعطي الدروس لأي دولة في العالم في كيفية التعامل مع المظاهرات والمتظاهرين المحتجين على دولهم، ولكن حين اقترب الأمر منها تعاملت بقسوة وعنف واعتقلت المئات منهم بشكل مهين داخل الحرم الجامعي ردا على معركة رفع العلم الفلسطيني على الساريات في العديد من الجامعات..

 
وكما غيرت مظاهرات الطلاب الأوضاع في القرن الماضي بدأ الأمل معقودا على هؤلاء الشباب النقي الطاهر في تصحيح الأوضاع الظالمة في العالم، وفرض التغيير الملائم للمنظمات الدولية بحيث لا تصبح معبرة عن القوى الغاشمة التي أفرزتها الحرب العالمية الثانية، وحان الوقت للبحث عن صياغة جديدة للأمم المتحدة ومجلس الأمن والفيتو.. 

 

مع العلم أن الأوضاع التي كانت في منتصف القرن الماضي كانت أصعب من الأوضاع الراهنة، ولكن مع فورة الجامعات لابد من وجود مفكرين وفلاسفة وأفكار ملهمة للعالم الجديد، علي غرار ما حدث في الماضي.. 

 

ففي عام 1966 أصدر عدد من الطلبة بجامعة ستراسبورغ من أعضاء الاتحاد الوطني للطلاب الفرنسيين بيانا بعنوان حول البؤس الطلابي ومقترح متواضع لعلاجه، تضمن نقدا جذريا للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في فرنسا وأوروبا بشكل عام، متأثرين بأفكار الفيلسوف الألماني المقيم في أميركا هربرت ماركوز، لا سيما كتابه الإنسان ذو البعد الواحد، الذي ينتقد فيه التكنولوجيا الحديثة وكيف عملت على تكريس النزعة الاستهلاكية لدى إنسان العصر الحديث وتفاقم قلقه وخلق احتياجات وهمية لديه طيلة الوقت.


وفي مارس من 1968 انطلقت مسيرات طلابية تندد بالحرب الأميركية على فيتنام، قوبلت بعنف شديد من الشرطة، فاشتعل الموقف وزادت الاحتجاجات صلابة لتعم معظم الجامعات والمدارس، ثم انضم العمال إلى التمرد وقام ما يقرب من 11 مليون عامل بالإضراب الأقوى في تاريخ فرنسا، وبدا أن باريس ستسقط في حرب أهلية لا محالة وفر الرئيس الفرنسي شارل ديجول إلى ألمانيا سرا.

 

وبعد مرور 7 أسابيع هدأت الأمور وأجريت الانتخابات وتراجع السيناريو الدموي مع إصلاحات واسعة في الأجور وأوضاع الطلبة. وسرت العدوى من فرنسا وإمتد صداها لكل العالم.. وكانت المطالب الداخلية الملحة آنذاك من أهم الأسباب التي أشعلت الثورة الثقافية الصينية التي قادها الزعيم الصيني ماوتسي تونغ ضد فلول البرجوازية.. 

 

داعيا الشباب للثورة عليهم واجتثاثهم، وكان ماو ذائع الصيت في فرنسا، وحرك الشباب حول العالم للتحرك ضد الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة على السواء، وتزامن ذلك مع اغتيال أميركا للمناضل الكوبي تشي جيفارا. وفي نفس التوقيت بدأت في جامعة هوارد الأمريكية أول احتجاجات الطلاب الجامعيين الواسعة، وكانت حينها ضد سياسات التمييز العنصري ضد الأمريكيين السود.. 

 

وبعد أسابيع قليلة، شهدت جامعة كولومبيا الشهيرة بنيويورك، أولى شرارات الاحتجاجات الطلابية الكبرى على تورط الولايات المتحدة في حربها على فيتنام. وبعد هذا توالت الاحتجاجات الطلابية في عدد آخر من الجامعات الأمريكية، وركزت بشكل مباشر على رفض التورط العسكري الأمريكي في فيتنام.. 

 

وبدت تلك المظاهرات كمحاولة ثورية لتغيير العالم بمشاركة عدد من أبرز مثقفي وفناني فرنسا مثل جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار، وجيل دولوز، وجان لوك جودار. وفي مصر كانت مظاهرات الطلبة هي الصوت الأول الذي يخرج من الشارع ضد عبد الناصر بعد انكسار الحلم.. 

 

 

ليس بسبب هزيمة 67، وإنما بسبب مشاعر العزة والقوة التي كانوا يعيشونها، وبسبب حالتي النشوة والطموح الكبير اللذين أوجدهما جمال عبد الناصر ومشروعه الثوري خاصة بعد إعلان حكم المحكمة العسكرية في قضية ضباط سلاح الطيران المتهمين بالإهمال، والذين كان الرأي العام يرى أنهم مسؤولون عن جانب كبير من هزيمة 67، حيث اعتبروا أن الأحكام مخففة للغاية.. فكان رد فعلهم هو الخروج إلى الشوارع وكانت مظاهرات الطلبة.. 

وسيكتب التاريخ أن جامعة كولومبيا الأمريكية عملت قلق للصهاينة أكتر من جامعة الدول العربية.

الجريدة الرسمية