رئيس التحرير
عصام كامل

الحشاشين

أعتقد أن إقدام شركة إنتاج مصرية على تقديم عمل درامي تاريخي بحجم مسلسل الحشاشين أمر لا يجب أن يمر مرور الكرام، ينبغي أن ندرك أننا تجاوزنا مرحلة الاهتزاز في الإنتاج الدرامي، تلك الفترة التي بدأت قبيل أحداث الخامس والعشرين من يناير 2011، واستمرت طوال السنوات الماضية!


الحقيقة.. ولمزيد من التوضيح فإن ذلك الاهتزاز لم يكن يسيطر على مجال الإنتاج الدرامي فحسب، بل شمل كما أري كافة عناصر الإنتاج الإعلامي بكل ألوانه وأدواته، وربما شمل هذا الإهتزاز قطاعات أخري في المجتمع، ولكني أقصر كلامي هنا على مجال الإعلام، تأسيسا على أنه إذا تحقق الاستقرار الإعلامي بمفهومه الشامل حتما سيكون له تأثيرات إيجابية على باقي قطاعات المجتمع أو أغلبها.

Advertisements


خلال فترة الإهتزاز الإعلامي، ضاعت الرؤي، ولم يتراجع تأثير الإعلام ووسائله المختلفة على الوجدان العام فقط، بل إنعكس بالسلب، وحدث انفصام تام بين العقول الحاكمة والمالكة لوسائل الإعلام وبين الهوية والتوجه الذي يميز الشعب المصري..

 

واستسلم الجميع، بوعي أو بدون، لتيار الاختراق الكبير الضخم المسمى بالعولمة، ونسي الجميع أن الأمن القومي للبلاد لا يتحمل عبء الحفاظ عليه وحمايته الجيش والشرطة والأجهزة الأخرى المشاركة في تحقيق الأمن القومي وحمايته، بل هذه المهمة يجب أن يشارك فيها كيانات وفئات كثيرة في المجتمع، وعلى رأسها الإعلام، بكل صنوفه وأشكاله وبمختلف المصنفات التي ينتجها أو يقدمها للناس.


وبينما انهمك أبناء المؤسسات الحامية لهذا البلد في أداء مهمتهم المقدسة، ودفع كثيرون منهم أرواحهم خلال أدائهم لمهمتهم، انخرط عدد ليس بالقليل من العقليات المسيطرة على الإعلام، في حالة من عدم التركيز أو الإهتزاز كما أشرت إليه أنفا.. 

 

والحقيقة أنا لا أود ولا أهدف إلى توجيه اتهامات لفئة أو كيان، ولكني أوجز فأقول آن الأوان للتعافي من هذه الحالة، أن الأوان لكي نعيد التدقيق فيما يحفظ الهوية والقيم التي يستند عليها بنيان هذا المجتمع، وأضيف أن مواجهة الهجمة الفكرية المنوعة فيما يعرف بالعولمة والتقليل من أثارها السلبية على المجتمع وخاصة الشباب لن تحقق النجاح المنشود بمنع أو تقليل حجم انتشار أو عرض السيل المنهمر من مصنفات عصر العولمة، ولكن النجاح المؤكد يتحقق بالتزامنا بمبدأ الجيد يطرد الرديء.


معذرة لهذا الاستدراك المطول، الذي جذبني بعيدا عن استكمال حديثي عن مسلسل الحشاشين، وعما أعتقده من إيجابيات وراء إنتاج هذا المسلسل.

نقطة فاصلة


وكما تعلمنا في كليات الحقوق، فإن تقييم الأمور يبدأ بضرورة النظر في الشكل، يليه التعمق في المضمون، ومن هنا فإن المسلسل كإنتاج وتنفيذ ومنتج نهائي، حسبما تأثر وجداني كمشاهد عادي، لا اتحدث بلغة النقاد أو الدراسين، أري أنه من حيث الشكل وجبة مشبعة تحمل أدلة وإشارات تقول إننا استعدنا قدرات في تحقيق إنتاج درامي ضخم يضاهي، وربما يتفوق على الكثير من المصنفات المشابهة التي تنتجها جهات إقليمية وعالمية.


الأمر الثاني، وهو المضمون، فاللحق والإنصاف فقد تباينت التقييمات حول المحتوي أو المضمون، لهذا العمل الفني الكبير، وللإنصاف كذلك، فإنه وبين الكثير من الأصوات الناقدة للمسلسل كانت هناك أصواتا لا هم لها سوي الانتقاد بلا أي سند أو مبرر، سوي إهالة التراب على أي عمل تنفذه الدولة المصرية ونظامها الحالي، وأولئك معروفون التوجه والانتماء!


أيضا من التباينات التي ثارت، كان هناك من أشار بأوجه إنتقاد إلى مضمون المسلسل أو إلى الأحداث التي تناولها على مدي حلقاته الثلاثين، والحقيقة أن صناع المسلسل كانوا حريصين على التأكيد على أن ما قدموه ليس عملا تاريخيا خالصا، وليس فيما وثائقيا أو تسجيليا إنما هو عمل درامي يخضع لعوامل الحبكة والإبهار وليس لضوابط التأريخ والتوثيق.


أيضا.. هناك من قال أن الجهة المنتجة وراء المسلسل خططت لتحقيق هدف سياسي من وراء إنتاج المسلسل، وأن الهدف من انتاجه هو الهجوم على جماعة الإخوان الإرهابية.


والحقيقة ودونما تمحيص لكل الأراء العاقلة التي قيلت نقدا أو اختلافا مع المسلسل فإني أري هذه الضجة أمر جيد، ودليل على أن صناع المسلسل حققوا أحد أهم أهدف الإعلام، وهو دفع المجتمع أو قطاعات منه إلى البحث والتمحيص وتبادل الأراء.

 


أتمني على صناع الدراما لدينا أن نعتبر إنتاج وتقديم مسلسل الحشاشين، نقطة فاصلة لمرحلة ما أراها مرحلة أو فترة الإهتزاز الإعلامي والدرامي.

الجريدة الرسمية