جنون الأسعار عرض مستمر.. ترشيد الميزانية الحبل السرى لإبقاء الأسرة على قيد الحياة.. خبراء اقتصاد منزلى وباحثون يضعون روشتة للتغلب على «جنون الأسعار»
لا أحد يدفع ثمن التضخم مثل الفقراء والبسطاء ومحدودى الدخل، أو بالتعبير الدارج «الغلابة»، يؤدى ارتفاع الأسعار إلى تفاقم الأزمات فى حياتهم بصورة كارثية، بل يصبح بالنسبة لهم هو الجحيم بعينه.
يدهس الغلاء الناجم عن التضخم هؤلاء الذين يعيشون على حد الكفاف، يؤدى إلى خفض الحد الأدنى الحقيقى للأجور، ويخفض مستوى المعيشة بشكل مرعب، خاصة أنهم يعملون فى الغالب بوظائف لا تعدل الدخل مراعاة لهذه الأزمات.
يلتهم التضخم ميزانيات الأسر الفقيرة، ويزحف إلى أبناء الطبقة الوسطى أيضا، الذين تتكالب عليهم تكاليف ضروريات الحياة، ما يعرض أمنهم الغذائى إلى أخطار غير مسبوقة.
كما يؤدى التضخم المرتفع إلى زيادة رقعة الفقر، ويُسقط المزيد من أسر الطبقة الوسطى فى هذا البئر السحيق، وتقل جودة الحياة، ويصبح الغذاء الضرورى بنظام صحى من مستحيلات الواقع، وينحصر كفاح هؤلاء فى كيفية الحصول على طعام يبقيهم على قيد الحياة، بما لذلك من تداعيات مؤلمة على نقص وسوء التغذية، فالأم الحامل يضر التضخم بنمو طفلها ويقل وزنه عند الولادة، ويترجم ذلك إلى انخفاض فى متوسط العمر المتوقع للطفل.
وإذا أفلت الطفل من هذا الواقع، فإن سوء التغذية لن يتركه، وسيعانى لاحقا من ضعف القدرات الإدراكية التى تعيق التعلم والأداء المدرسي، مما يؤثر على نوعية حياة الطفل فى المستقبل.
كما أن الطفل الذى ينشأ وهو يعانى من سوء التغذية فى فقر مدقع، سيكافح عندما يكبر من أجل البقاء فقط، مما يزيد من احتمال بقاء الأسر محاصرة فى دائرة الفقر لأجيال، وللتحذير من كل هذا كان هذا الملف من «فيتو».
غلاء الأسعار يلتهم كل شيء، ما يستوجب اتخاذ بعض الاحتياطات والتدابير المنزلية المرتبطة بإنفاق النقود، خاصة للأسر متوسطة ومحدودة الدخل التى تعانى من كيفية إدارة المنزل بمبلغ شهرى ضئيل لا يكفى أحيانا لشراء أبسط الاحتياجات اليومية الأساسية فى كل بيت.
لذا تواصلت «فيتو» مع أساتذة وخبراء الاقتصاد المنزلى والباحثين من مختلف التخصصات بالمركز القومى للبحوث لوضع أفكار وبدائل فعالة لإدارة الحياة الأسرية.
أكدت منى خالد، خبيرة الاقتصاد المنزلى، أن المرأة المصرية لديها هوس الشراء، وهو أمر معروف فى الدول العربية عامة أكثر من الدول الأوروبية، ولهذا كان ينبغى أن تقوم ربة المنزل بعمل ميزانية سنوية، تنفصل عنها ميزانية شهرية.
لكن فى ظل تغير الأسعار بصورة مستمرة كما فى الفترة الحالية يصعب عمل ميزانية سنوية، لذا يمكن أن تبدأ ربة المنزل بعمل الميزانية الشهرية بالورقة والقلم، ويتم استقطاع مبالغ تقريبية لفواتير الكهرباء والغاز والمياه والتليفون الأرضى والمحمول، وأى نفقات ثابتة شهريا، مثل إيجار المنزل أو أقساط للأجهزة الكهربائية، ثم بعد ذلك يتم تنظيم الأولويات واستبعاد الرفاهيات مثل الخروج أو التنزه أو تناول الطعام الجاهز من المطاعم، وهو أمر لا بد منه فى الفترة الحالية خاصة لمتوسطى ومحدوى الدخل.
وأضافت حمزة: يأتى بعد بند النفقات الثابتة فى الميزانية، والبند الخاص بالطعام والشراب هو الأكثر إنفاقا للأسرة المصرية، لافتة إلى أنه مع ارتفاع أسعار اللحوم والدجاج يمكن استبدال البروتين الحيوانى بالبروتين النباتى الذى هو أرخص فى السعر، وله قيمة غذائية عالية فى نفس الوقت، مثل الفول والعدس، موضحة أن وجبة الكشرى على سبيل المثال لها فائدة غذائية وصحية عالية جدا وسعرها اقتصادى أيضًا.
وأشارت خبيرة الاقتصاد المنزلى إلى أنه من العادات السلبية جدا للمصريين هو الإسراف فى كميات الطعام، خاصة أننا مقبلون على شهر رمضان، والذى تنتشر فيه العزومات والولائم بكميات كبيرة جدا وتتنوع اللحوم على المائدة، مثل البوفتيك والبانية والحمام والبط، وهذا إسراف لا داعى له، إذ يجب الاقتصاد فى كميات الطعام ونوعياته.
وأوضحت الدكتورة سميرة الكيلانى، باحثة فى مجال الاقتصاد المنزلى، أن هناك بعض المنتجات يمكن الاستغناء عن شرائها تماما وتوفير بند كبير من الميزانية الشهرية، ومن هذه الأشياء التى يمكن الاستغناء عنها “المناديل الورقية”، والتى يتم الإسراف فى استعمالها بشكل كبير فى بعض البيوت المصرية، ويمكن استبدالها بالفوط والمناشف القماش التى يمكن غسلها واستعمالها مرات عديدة.
وأضافت أنه من الضرورى الاقتصاد فى استخدام المنظفات سواء منظفات الأوانى أو الأسطح واستبدالها بمنظف يمكن تحضيره منزليا بكل سهولة من خلال نقع الليمون فى الخل والماء، وإضافة كمية بسيطة من الكلور والجل المعطر، وهنا يكون لدينا منظف متعدد الأغراض.
وأضافت الكيلانى أنه يمكن الاستغناء أيضًا عن شراء المياه المعبأة أو المعدنية واستخدام المياه العادية من الحنفية بعد غليها وتبريدها وتعبئتها فى زجاجات من البلاستيك الصحى واستخدامها أيضًا أثناء الخروج من المنزل بدلا من شراء المياه من السوبر ماركت.
وأشارت الباحثة فى مجال الاقتصاد المنزلى إلى أن بعض الأسر تشترى كميات كبيرة من جميع أنواع البهارات والتوابل، وهو ما يعرضها للتسوس والفساد بعد فترة قصيرة من عدم استخدامها، لذا يمكن لربة المنزل شراء الأنواع التى تستخدمها بصورة مستمرة فى مطبخها وبكميات قليلة جدا حتى لا تتعرض للفساد، لافتة إلى أنه قديما كان لا يستخدم الناس سوى الملح والسكر فقط.
ومن جانبها أشارت الدكتورة نايرة شاكر مهنا، الأستاذة بالمركز القومى للبحوث، إلى أن عادات المصريين فى طهى وجبات الطعام معظمها ضارة لصحتهم ومسرفة لأموالهم.
وأضافت أن ارتفاع أسعار الزيت فى الآونة الأخيرة يجعلنا نسعى إلى التخلص من عادة القلى والتحمير فى زيت غزير، مؤكدة أنها عادة غذائية ضارة جدا وتسبب الكثير من الأمراض، كما تسرف جدا فى كميات الدهون المستخدمة.
وأكدت أن الأفضل من ذلك هو استخدام “القلايات الهوائية (الإير فراير)” التى يمكن طهى الطعام بها بدون نقطة زيت واحدة، وبالتالى نحافظ على صحتنا ونوفر فى كمية الزيت المستخدمة، لافتة إلى أنه بالنسبة للأسر محدودة الدخل التى لا تستطيع شراء جهاز “الإير فراير” فيمكن استبدالها برش كمية بسيطة جدا من الزيت على الأطعمة، وإدخالها إلى الفرن للنضج والتحمير.
وأضافت الدكتورة نايرة مهنا أنه يمكن عمل بعض المنتجات بالمنزل بدلا من شرائها جاهزة مثل الزبادى أو صناعة السمن أو الزبدة من قشطة اللبن، واستخدام الجبن القريش بدلا من الأجبان المستوردة غالية الثمن.
وعلى جانب آخر، لفت الدكتور محمد حسين الأستاذ بالمركز القومى للبحوث إلى أن الغذاء الصحى السليم منخفض التكلفة عالى القيمة الغذائية هو ما كان يستخدمه أسلافنا فى حوض البحر المتوسط قديما، إذ كان طعامهم بسيطا يتكون معظمه من الخضراوات والحبوب، مثل الفول والعدس واللوبيا والفاصوليا، وكلها بروتينات نباتية مليئة بالقيمة الغذائية.