رئيس التحرير
عصام كامل

لا تنتظر حتى يصير الممكن مستحيلًا!

هل سألت نفسك يومًا: هل يصبح الممكن مستحيلًا؟! إذا أمعنت النظر في القرآن الكريم ستجد ما كان يمكن أن تفعله بسهولة ويسر في الدنيا صار مستحيلًا إذا ما حضر الموت.. فأمنيات الموتى يستحيل تحقيقها!


فهل جربت مرة أن تضع نفسك مكان ميت وضعوه للتو في قبره، وانفض الأهل من حوله، وهو يسمع قرع نعالهم ينصرفون كل إلى حال سبيله بينما يستقبل الميت حياة أخرى غير التي كان يحياها في دنياه، حياة لا يدركها إلا هو، ولو علم الأحياء حقيقتها ما ضيعوا من أعمارهم لحظة في الغفلة، أو التسويف أو الظلم والتقصير.. فهل تخيلت حياتك بعد الموت؟


ثمة حياة أخرى، يراها الميت في قبره وحده لا صاحب له إلا عمله، وما قدمت يداه في الدنيا، حياة أخرى يلقى فيها حسابه ويعرف منزلته عند ربه من أول لحظة في قبره.. فإن كان محسنًا في الدنيا لتمنى لو أنه زاد في إحسانه وحسناته ورصيده من أعمال البر والخير.. وأما إن كان مسيئًا فيتمنى لو أن بينه وبين القيامة زمنًا بعيدًا.. يقول الله تعالى "يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا" [آل عمران: 30].
 

ورغم أن أرض الله واسعة فإن الإنسان يصر على حشر نفسه في زاوية معينة يعلم مسبقًا عاقبتها ومآلها وخسرانها.. لكنه يماطل ويسوّف وتغره الأماني، فيظلم هذا، ويأكل مال هذا، ويؤذى ذاك بلسانه أو بيده، ولا يكف عن ممارسة شروره وآثامه حتى إذا حضره الموت، وانتهى أجله قال قولته المشهورة "رَبِّ ٱرۡجِعُونِ لَعَلِّیۤ أَعۡمَلُ صَـٰلِحࣰا فِیمَا تَرَكۡتُۚ"..

أمنيات مستحيلة

وتلك أولى الأمنيات المستحيلة؛ ذلك أنه "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ"( الأعراف: 34).. وحين يطلب الإنسان الرجوع إلى الدنيا يأتيه الرد من فوره: "كَلَّاۤ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَاۤىِٕلُهَاۖ وَمِن وَرَاۤىِٕهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ یَوۡمِ یُبۡعَثُونَ" (المؤمنون:100).. 

 

ثم تتوالى الأمنيات المستحيلة؛ أمنيات الموتى الذين خرجوا من الدنيا صفر اليدين بلا عمل صالح يشفع لهم عند ربهم ويجعلهم من أهل رحمته.. ساعتها يقول الإنسان: "يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي"، أو يقول: "يَٰلَيْتَنَآ أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولَا۠"، أو يقول: "یَـٰلَیۡتَنِی ٱتَّخَذۡتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِیلࣰا ۝٢٧ یَـٰوَیۡلَتَىٰ لَیۡتَنِی لَمۡ أَتَّخِذۡ فُلَانًا خَلِیلࣰا".. 

 

أو يقول: "يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا".. فإذا تحقق الإنسان من سوء مثواه ومصيره فإنه يقول: "لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ".. أما الكافر فيقول "يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا"..هذه أمنيات صارت مستحيلة بعد الموت وقد كانت قبله ممكنة ومستطاعة، بل مستحبة.. فماذا يمنعك أن تبادر بعمل صالح يشفع لك عند الله ويجعلك أهلًا لرحمته ورضوانه..

 

فالله تعالى يقول: "فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا" (الكهف: 110)، والعمل هنا إما أن تأمل ثوابه، أو ترجو به رؤية وجه الله الكريم يوم القيامة، أو تفعله خشية عقابه.. فاعمل وتقرب واجتهد وإصبر على ما أصابك، وتمن على الله ما تشاء وأكثر من الدعاء..

 

فأمر الله بين الكاف والنون، والله يفرح إذا سأله العبد ولا يرد سائلًا قصده في الليل أو النهار.. وهو سبحانه قد طلب منا الدعاء فقال تعالى: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" فادعوه وأنت موقن بالإجابة وأحسن الظن بالله تجد خيرًا في كل أمورك.. ولا تدخر جهدًا في التمنى قبل أن يصبح هذا التمنى في عداد المستحيلات.    


فتمنى على الله ما تشاء من خير وإعمل وإجتهد وإطلب العون من الله فإنه بِالْأَمَانِي تَتَسَلَّى النُّفُوسُ، وَتَتَحَفَّزُ الهِمَمُ، وَيُبْنَى التَّفَاؤُلُ، وَيُصْنَعُ الأَمَلُ.. يقول الشاعر: أُعَلِّلُ النَّفْسَ بِالْآمَالِ أَرْقُبُهَا * مَا أَضْيَقَ العَيْشَ لَوْلَا فُسْحَةُ الأَمَلِ.


والسؤال: هل كل الأمنيات عند الله سواءٌ؟! والجواب بالقطع لا.. فإِنْ تَمَنَّى العَبْدُ الخَيْرَ وَالمَعْرُوفَ، فَهِيَ حَسَنَاتٌ صَالِحَاتٌ، وَإِنْ لَمْ تَعْمَلْهَا جَوَارِحُهُ، وَإِنْ تَمَنَّى الإِثْمَ وَالسُّوءَ فَهِيَ أَوْزَارٌ فِي صَحِيفَتِهِ وَشَقَاءٌ لَمْ يَعْمَلْهُ.. فانظر في أمنياتك لتعلم مكانك عند الله!

الجريدة الرسمية