رئيس التحرير
عصام كامل

شياطين الميراث

ما أجمل الكلمات الرقراقة في القوانين المكتوبة لدينا وتنافسها في الجمال تلك الشعارات التي ترددها المنظمات والمؤسسات المعنية بالمرأة آناء الليل وأطراف النهار على مسامعنا.. تسمعهم فتشعر أن لكل سيدة في هذه البلاد ظهر وسند تلجأ إليه في حال تعرضت للظلم أو وقعت تحت وطأة ناهبي الحقوق وحينما تلمس أحوال المرأة على أرض الواقع وخصوصا في المواريث تجد من ممارسات الناس العجب العجاب.

 

يؤسفني القول: إننا لا نزال أمامنا طريق طويل بشأن إقرار حق المرأة في الميراث وخصوصا في المجتمعات الريفية، فكثير من السيدات في القرى لا زلن يعتقدن أن صلة الرحم أولى وأهم من مطالبتهن بالحق في الميرات، هنَّ يقصدن بذلك عدم الدخول في مواجهة مع أخوتهم الذكور في المطالبة بالميراث بحيث تظل العلاقة طيبة والصلة قائمة، وحتى لا يحدث خلاف يؤرق الآباء والأمهات في قبورهم بعد الرحيل..

Advertisements

حق المرأة في الميراث

ربما تكون نوايا السيدات طيبة لكن هذه الطيبة والأخلاق الراقية التي يتحلين بها تصطدم كثيرا بأخوة طماعين.. يزعم أحدهم أنه ليس من حق شقيقته الحصول على ميراثها كاملا، لأن زوجها غريب عن العائلة وليس من حقه دخول أراضيها، ويزعم آخر أن السيدة المؤدبة ليس من حقها أن تطالب بميراثها من والدها في منزل العائلة؛ لأنها قد تقع في أزمة في حال طلاقها وبالتالي تجد لها مأوى لدى إخوتها الذكور..

 

أمام هذه الأوضاع من هضم الحقوق يتوغل جشع الأخوة الذكور ولا يستحي أحدهم من نهب ميراث شقيقاته علنا وربما يلجأ إلى حيل سرية ويزعم أن والده لم يترك لهم من حطام الدنيا إلا القليل.. وبعد هذا الجشع ظهر مصطلح المراضية، الذي لا أعلم إن كان قد وصل إلى المؤسسات المعنية بالمرأة أم لا.. 

 

لكنه منتشر ويتم ترويجه، وهذا المصطلح يشير إلى محاولة يقوم بها الأخ الأكبر في سبيل استرضاء شقيقاته البنات فيعطي الواحدة منهن قدرا يسيرا من الميراث ويحصل منها على توقيع بالتنازل التام على حقوقها كافة.

 

يحدث هذا وغيره المزيد من الاحتيال، والسبب في ذلك كله عدم وجود توعية كافية لدى السيدات وخصوصا في مجتمعاتنا القروية؛ فينبغي أن يتم التفريق بين صلة الرحم وبين المطالبة بالحقوق، وليس معنى أن سيدة تطالب بحقها الشرعي في ميراث والدها أنها تنوي قطيعة الرحم..

 

لأن الحرمان من الميراث والتلاعب فيه تمهيد لقطيعة رحم مستقبلية دائمة.. لأن أبناء العائلات إن أظهروا الرضا في حياة الآباء والأمهات إلا أنهم في المستقبل ستكون نفوسهم محملة بعدم الرضا وتحويل صلة الرحم تلك إلى مجرد سلام عابر..

 

 

فعلى جميع المؤسسات المعنية بالمرأة أن تفتح خطا متواصلا مع الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف وتبدأ التوعية الحقيقية بالحقوق.. إنا كنا جادين في الدفاع عن جميع حقوق المرأة وليس حصرها في أحوال محددة.                                                                                                    

والله من وراء القصد. 

الجريدة الرسمية