رئيس التحرير
عصام كامل

الفن وسنينه

أحمد حلمي عندما يحسن الفنان إدارة موهبته؟

يقول الكاتبان كاي ثورن وأندي بيلانت في كتابهما الشهير فن إدارة الموهبة: الموهبة لا تعتبر من الأشياء النادرة في الحياة ولكن الأمر ببساطة يتمثل في أنه نادرًا ما يتم العمل على اكتشافها ودعمها ومن ثم كثيرًا ما تجد أناسًا موهوبين ولكنهم في مكانة أقل من أقرانهم قليلي الموهبة.

 
وقد تعرضنا من قبل لهذا الموضوع وأكدنا على أن إدارة الموهبة وتنميتها وحسن استغلالها، فن مستقل بذاته لا يقل أهمية عن باقي الفنون الأخرى، ورصدنا عددا من الفنانين الذين فشلوا في إدارة موهبتهم فلم يستمروا بنفس القوة والبريق الذين بدأوا به، فتراجعت أسهمهم ونجوميتهم كثيرًا بل وبعضهم طواه النسيان! 

 

في حين أن آخرين أقل موهبة كثيرًا تصدروا الصفوف الأولى لأنهم تمكنوا من حسن إدارة موهبتهم واستغلوا عناصر أخرى مساعدة، فوصلوا إلى النجومية وهم الأكثرية في العصر الحالي، ولكن هذا لا ينكر وجود نوعية أخرى من الفنانين امتلكوا الموهبة بجانب الذكاء وحسن التخطيط والثقافة..

 

فاستطاعوا تحقيق النجاح تلو الآخر حتى وصلوا إلى قمة النجومية والشهرة وحازوا على إعجاب وحب وتقدير الملايين من الجماهير وحافظوا على مكانتهم، ومن أبرز هؤلاء النجم أحمد حلمي الذي يعد واحدًا من أهم  نجوم الكوميديا في مصر والوطن العربي في العشرين عامًا الأخيرة، حيث حصدت ومازالت معظم أفلامه نجاحات فنية وجماهيرية كبيرة.


كسبت الرهان

الحقيقة أنني راهنت على موهبة أحمد حلمي منذ بداياته كمذيع ببرنامج الأطفال لعب عيال، في نهاية التسعينيات، فقد لمست فيه خفة ظل كبيرة ولكن بالشياكة والذكاء في التعليقات والارتجال، ومن ثم جاء اختيار المخرج الكبير شريف عرفة له في فيلم عبود على الحدود لعلاء ولي الدين ليلفت الأنظار..

 

فيعيد الكرة في فيلمه التالي الناظر مع علاء ولي الدين أيضًا ثم تتوالى أدواره.. في عمر 2000 مع خالد النبوي وهو اللقاء الأول له مع الفنانة منى زكي التي صارت زوجته بعد أقل من عامين! ف ليه خليتني أحبك مع منى كذلك وكريم عبد العزيز ثم رحلة حب مع محمد فواد، فالسلم والثعبان مع هاني سلامة، ثم 55 إسعاف مع محمد سعد، ف سهر الليالي.. 

 

حتى صعد إلى البطولة المطلقة بفيلم ميدو مشاكل مع المطربة شيرين عبد الوهاب، وإنتاج مجدي الهواري الذي يحسب له جرأته في المغامرة به والمراهنة عليه مثلي، وكسب الرهان حيث حقق إيرادات تجاوزت ال 10ملايين جنيه عام 2003.. 

 

ولكنه تراجع في فيلمه التالي صايع بحر فنيًا وجماهيريًا فلم تبلغ إيرادته 7ملايين جنيه، ولكنه سرعان ما تجاوز ذلك فعاد إلى التألق وتحقيق الإيرادات الجيدة بفيلم زكي شان مع ياسمين عبد العزيز (12 مليون جنيه) إخراج وائل إحسان، الذي قدم معه فيلمين آخرين جميلين ناجحين هما ظرف طارق (16 مليون جنيه)، مطب صناعي (20 مليون جنيه) وهو الرقم الأعلى وقتها 2006..

 

ثم جاءت سلسلة أفلامه الأفضل فنيًا وأداءً تمثيليًا  كده رضا مع المخرج أحمد نادر جلال، آسف على الإزعاج للمخرج خالد مرعي والمأخوذ عن الفيلم الأمريكي A Beautiful Mind بطولة راسل كرو، ثم 1000 مبروك للمخرج أحمد نادر جلال 2009، ثم يأتي أحد أهم أفلام حلمي وأكثرها  قوة عسل إسود للمخرج خالد مرعي 2010، ف فيلمه الذي يحتوي على أكبر جرعة من الكوميديا بين أفلامه إكس لارج في نفس العام إخراج مكتشفه الأول شريف عرفة.


وطبيعي جدًا في مشوار أي فنان أن يحدث بعض التراجع وعدم التوفيق في اختيار الأعمال وهو ما حدث لحلمي منذ عام 2013 بأفلام أقل فنيًا وجماهيريًا من سابقتها، مثل على جثتي للمخرج محمد بكير، صنع في مصر لعمرو سلامة في العام التالي، ولكنه عاد لحصد الإيرادات مرة أخرى بفيلم لف ودوران عام 2016 والذي كسر حاجز ال 40 مليون جنيه..

 

واستمر في حصد الإيرادات ولكن بعد أن صار يقدم فيلم كل 3 سنوات في خيال مأتة وإن كان ليس على مستوى معظم أفلامه، وهو ما حدث مع فيلمه الأخير واحد تاني الذي حقق أعلى الإيرادات في تاريخ أحمد حلمي حتى الآن ب 64 مليون جنيه العام الماضي.


نضج وفكر جديد

كنت سعيد الحظ أن ألتقي أنا والنجم أحمد حلمي بمكتبه منذ عدة أيام، بعد سنوات طويلة لم نلتق خلالها سويًا، وكان المفترض أن يكون هذا اللقاء من أجل الاتفاق على مشاريع سينمائية، ولكن تحول اللقاء والذي امتد لنحو ساعتين ونصف إلى لقاء أخوي وودي جدًا، استرجعنا فيه العديد من الذكريات الجميلة وتحدثنا فيه عن مجالات شتى.. 

 

السينما وأزمة الورق الجيد وتجربته  كمنتج من خلال شركة شادوز واعترافه أنه أقدم على هذه التجربة حتى يعرف سعره في التوزيع الخارجي، وأنه لم يكن موفقًا في الأفلام التي أنتجها مثل بلبل حيران وصنع في مصر، وأخذت من وقته الكثير ومن ثم قرر عدم تكرار التجربة لحين إشعار آخر؟

 

 كما أفصح لي عن نيته في عدم الاكتفاء بفيلم كل عام أو عامين وتقديم فيلمين أو أكثر كل عام حيث أن السينما هي عشقه الخاص، وكشف عن تحضيره لفيلم جديد مع المخرج كريم الشناوي سيطرح فيه موضوعًا مهمًا وجديدًا، وأنه سيقدم عرضين مسرحيين الأول بالقاهرة بعد أيام، والثاني بموسم الرياض الشهر المقبل، وهما للمنتج الشاب المتميز حمدي بدر.. 

 

 

وبدوري أثنيت على قراره هذا وأبديت له إعجابي الشديد بالدور الأخير لزوجته النجمة المتألقة منى زكي في مسلسل تحت الوصاية الذي بلغت فيه قمة النضج الفني، وفي الواقع هذا ما لمسته أيضًا على المستوى الفكري من أحمد حلمي خاصةً بعدما تطرقنا إلى موضوعات أخرى غير الفن.. في السياسة والصحافة والاقتصاد والسوشيال ميديا، وكم كنت معجبًا ومازلت بآرائه ورؤيته في هذه المجالات والتي تكشف عن فنان حقيقي يتمتع بجانب الموهبة بالذكاء والفطنة والرؤية والمثابرة لا ينجح بالصدفة كما حدث للكثيرين غيره.

الجريدة الرسمية