رئيس التحرير
عصام كامل

سقطة الدكتور مصطفى الفقي!

أقدر الدكتور مصطفى الفقى كمفكر كبير ومثقف مرموق، أراه شاهدً حقيقيًا على العصر في قضايا كثيرة عاشها بنفسه في كواليس السياسة كرجل دبلوماسي ترقى في المناصب حتى أصبح سكرتير المعلومات للرئيس الأسبق الراحل حسنى مبارك؛ لكن ساءني كما ساء كثيرين غيرى ما أدلى به من تصريحات أثارت جدلًا واسعًا بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، تطرق خلالها لبعض جوانب من الحياة الشخصية للرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر وغيره من رموز مصر!

Advertisements


تقديري للدكتور مصطفى الفقي لا يمنعنى من العتب والتحفظ على تصريحاته التي أراها علمًا لا ينفع، وجهلًا لا يضر، وهو عتبٌ لم يثنينى عنه ما بادر به مفكرنا الكبير من اعتذار حواه مقاله بجريدة المصري اليوم.

 

فما كان أغناه وأغنانا عن ضجة أثارتها تلك التصريحات التي أدلى بها لبرنامج الصندوق الأسود مع الإعلامي الكويتي عمار تقي، تطرق فيها الدكتور مصطفى الفقي إلى فترة نكسة 1967، مشيرًا إلى أن الرئيس الراحل عبد الناصر كان يتناول مشروبات روحية بمنزل الرئيس الراحل أنور السادات.


الدكتور مصطفى الفقي قال في اعتذاره: دُهشت كثيرًا عندما اتصلت بي زميلتي الفاضلة الدكتورة هدى جمال عبد الناصر عاتبة على حديث جرى معي في برنامج تليفزيوني -ربما دون تركيز مني نتيجة الإرهاق بسبب طول مدة الحديث- عن الواقع العربي في القرن الماضي.

ولقد عاتبتني الدكتورة هدى عن بعض ما جاء في ذلك الحديث من معلومات غير صحيحة -ومعها كل الحق- وأنا أسجل هنا أن الحياة الشخصية لجمال عبدالناصر هي أنصع ما لديه.
 

وإذا كان ذلك كذلك، فلمَ كان الخوض في تفاصيل هي أقرب إلى اللغو من حكمة التاريخ ودروسه المستفادة وعظاته ومآثره ومفاخره.. والحق أني -بما أعرفه عن مصطفي الفقي من سجل مهنى وثقافي وفكري متميز-كنت أتوقع منه أن يسلط ضوءًا على أحداث مفصلية تشهدها منطقتنا حاليًا ليخرج لنا برؤية تضيء المستقبل وتقول لنا ولصانع القرار، ماذا نصنع إزاء تحديات وكوارث تحيط بنا من كل جانب.

 

كنت أرجو لو تفضل بفتح خزائن معلوماته ليصنع مقاربة تاريخية تقول لنا بوضوح ما العمل في تحديات عظمى كسد النهضة، الذي وصلت مفاوضاته أخيرًا إلى طريق مسدود دفع وزير الري للتصريح بأن مصر تحتفظ بحق الرد تجاه دولة المنبع إذا ما تعرض أمننا المائي للخطر.


كنت أرجو لو أعرض الدكتور مصطفى الفقي عن الخوض في تفاصيل الحياة الشخصية للرؤساء والرموز والتي لا تخلو بطبيعة الحال وبحكم أنهم بشر مثلنا لهم -كما لنا- هنات وسقطات ما كان له ن أن يذيعها على العامة، وهى سقطة كبرى وقع فيها مصطفي الفقي ثم اعتذر عنها!


والحق أنني أتابع ما يكتب الدكتور مصطفى الفقي من مقالات وما يصرح به من آراء وخواطر في البرامج والصحف وهو يمارس دورا تنويريا وطنيا، ما يملكه من تاريخ وظيفي وثقافة عالية ودبلوماسية تثري المعرفة وتعمق الوعي العام.. ولديه الكثير والكثير في جعبته مما قد يصنع الفارق إذا ما اجتهد في تطويعه لخدمة واقعنا الصعب!


وبصرف النظر عن أن الدكتور مصطفى الفقي خانه التوقيت والتصريح؛ ذلك أننا نعيش أوقاتا صعبة نترقب ونتألم فيها لما يجري لأشقائنا في غزة وفي السودان وما تشهده منطقتنا من مخاض صعب لا يعلم إلا الله إلى أين ستصل إليه الأمور.. 

وسط تحديات وأخطار وجودية على حدودنا جنوبا وشمالا، وفي الغرب والشرق على السواء، وهو ما يدفعني للتساؤل: هل من حق شخص تولى منصب سكرتير معلومات الرئيس أخلاقيا وقانونيًا أن يخرج على الرأي العام هنا ليكشف أسرار عرفها بحكم منصبه؟ّ! 

 

وهي أسرار ربما تسيء لرموز مصر وتنال من مكانتها في أعين الأجيال الجديدة التي لم تعش تلك الأحداث.. وهي التصريحات التي أثارت ردود أفعال متباينة التزم أحدها بالعتب، وخرج بعضها عن السياق على طريقة المعاملة بالمثل؛ فأذاع تسريبات تدين الدكتور مصطفى الفقي وتقدح في مصداقيته!

 


ماذا استفادت مصر من هذا السجال، وماذا كسب الرأي العام من هذه المناوشات، وما الداعي أصلًا للدخول في هذه المتاهة من الإلهاء والإسفاف التي لا تخدم قضايا الوطن، بقدر ما تخلق مشاحنات وملاسنات وربما انقسامات تصرف الأنظار عما يجب أن نعرفه وما يجب أن نقوم به –شعبًا وحكومة- تجاه ما يجري حولنا من كوارث تدخل في صميم أمننا القومي!

الجريدة الرسمية