رئيس التحرير
عصام كامل

هل تستطيع الحكومة فرض تسعيرة جبرية على السكر؟

في إطار سعي الحكومة للسيطرة على أسعار السكر الذي وصلت لأرقام غير مسبوقة، حيث وصل سعر الكيلو في بعض المناطق –إن وجد– إلى 53 جنيها بعد أن كان منذ فترة وجيزة لا يتجاوز 20 جنيها، قرر الدكتور علي المصيلحي وزير التموين والتجارة إعطاء السوق مهلة بنحو 10 أيام لاستقرار أسعار السكر.. 

 

وفي حال استمرار الأزمة عقب انتهاء المهلة سيطالب مجلس الوزراء بالتدخل للتسعير الجبري للسكر. وأرجع المصيلحي أزمة السكر إلى أزمة في التوزيع وعدم انتظام التوزيع، حيث تعمل الوزارة على ضبط سلاسل التوزيع من خلال توفير السكر في السلاسل التجارية والمنافذ التابعة للوزارة، والمنافذ والشوادر.


وتتداول الحكومة كميات السكر المتاحة للأسواق في الفترة الأخيرة عبر البورصة السلعية، بينما اشتكت مصانع المنتجات الغذائية من عدم توفير الكميات التي تحتاجها من السكر. ويبلغ حجم استهلاك مصر من السكر بين 3 ملايين و3.2 مليون طن سنويًا منها 2.4 مليون طن إنتاج محلي، ويعوض الفارق من الاستيراد، بحسب بيانات سابقة من شعبة السكر بغرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات.

التسعيرة الجبرية ومحاربة المحتكرين


 وعندما نأتي لمناقشة موضوع العودة للتسعيرة الجبرية وجدواها نوضح بداية أن التسعيرة الجبرية هي إحدى الأدوات التي تلجأ إليها الحكومات لضبط إيقاع السوق بالقوة عندما يستفحل الأمر، وقد كانت مرتبطة بالأنظمة الاشتراكية، والمعتمد على وضع تسعير جبري لكل سلعة تلتزم به الأسواق..

 

ويتم تجريم عمليات البيع بما يخالف ذلك، وقد انتشر هذا النموذج في مصر خلال فترة الخمسينيات وستينيات القرن الماضي، غير أنه مع تحول مصر التدريجي نحو السوق الحرة تراجعت الحكومة بشكل تدريجي عن استخدامها بنهاية الثمانينيات، مع إعطاء مجالا أوسع لآليات السوق الرأسمالية، والتي تعتمد في تسعير السلع والخدمات على قوى العرض والطلب.


 وقد أكدت كافة القوانين والتشريعات المصرية وحتى الدستور تبني الدولة فكر النظام الرأسمالي، والذي يؤمن بالحريات الاقتصادية، وتفعيل قوي العرض والطلب في ضبط الأسواق وحماية المستثمرين والقطاع الخاص من تدخل الدولة في الاقتصاد بعيدا عن دورها الرئيسي في تنظيم السوق والرقابة عليه. 

 

ووفقا للمادة 10 من قانون جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، يجوز بقرار من مجلس الوزراء تحديد سعر البيع لمنتج أساسي لفترة زمنية محددة، وذلك بعد استطلاع رأي الجهاز، ولا يعتبر نشاطا ضارا بالمنافسة أي اتفاق تبرمه الحكومة بقصد تطبيق الأسعار التي تم تحديدها.


إذا وبكل بساطة لن يستطيع الدكتور المصيلحي ولا حتى رئيس الوزراء العودة لتطبيق نظام التسعيرة الجبرية وكلام سيادته مجرد تهديد لا حقيقة له، يفهمه جيدا المحتكرين ويسخرون منه، فضلا عن أن التسعيرة الجبرية ليست مجدية كما يظن البعض فهي الباب الأساس لعودة السوق السوداء واختفاء السلع والتربح والتكسب غير المشروع من ورائها.. 

حل مشكلة ارتفاع سعر السكر

وهي ليست الحل وإنما الحل في محاربة المحتكرين بالفعل في سلعة من المفترض أن الحكومة هي التي تحتكرها، حيث أن الكميات الضخمة المنتجة محليا تكون ملكا للحكومة، وهي التي تتحكم فيها وفي سعرها وإنما يأتي ارتفاع الأسعار من الإهمال الحكومي -ولن أقول التعمد- في متابعة التوزيع والإمداد والتاجر الوسيط. 


 كما أرى الحل في اقتراح حسن الفندي رئيس شعبة السكر باتحاد الصناعات، الذي يرى حل أزمة ارتفاع أسعار السكر في زيادة المعروض منه بالأسواق، كبديل عن الاتجاه إلى تسعير جبري من الحكومة. 

 

واقترح حسن الفندي، زيادة المعروض من السكر لمدة أسبوعين، قائلا: سيحل هذا أزمة الأسعار. وتساءل الفندي: التسعير الإجباري للسكر كيف سيتم تطبيقه وما هي الآليات المتبعة لذلك؟. ووفقا للفندي، فإن سعر طن السكر الأبيض الخام قفز إلى 46 ألف جنيه خلال نوفمبر مقابل سعر يتراوح بين 35 و37 ألف جنيه قبل الزيادة. 

 

وأرى أن الحكومة لا تمتلك الأدوات المطلوبة للتطبيق، فالجهاز الرقابي فشل في منع المضاربات على السلع في الأوضاع الطبيعية والسلع متاحة في الأسواق، فكيف له أن يراقب ويواجه السوق السوداء التي تنتج عن فرض هذا النظام، وهل ستنجح الأجهزة في تتبع كل كيس سكر يباع عن محل صغير في شارع ضيق؟ 

 

وخلاصة الأمر أن السكر بعدما كان متاحا بسعر مرتفع لن يكون موجودا على الأرفف في المحلات، كما أنه سيخلق أكثر من سعر في السوق للسلعة واحدة، وأخيرا سيكون هذا مثار حديث العالم كله عن تخلي مصر عن سياستها الرأسمالية والعودة لأنظمة اشتراكية عفا عليها الزمن. إذا فتهديدات وزارة التموين بفرض تسعيرة جبرية يصعب تنفيذها مع غياب الأدوات اللازمة لذلك فعليا، فالوزارة لم تفلح في السيطرة على المضاربات السعرية التي تنتقل كل يوم من سلعة لأخرى.

الجريدة الرسمية