رئيس التحرير
عصام كامل

عالم فقد الضمير والإنسانية والعدالة!

ما يحدث في غزة من جرائم حرب ترتكبها إسرائيل ليل نهار على مرأى ومسمع من العالم، وبمباركة وربما تحريض غربي يجد لتل أبيب ألف مبرر ومبرر لما تفعله ولا يجد في المقاومة إلا شيطانًا رجيمًا، وهو ما يجعل المنطقة وربما العالم أجمع على شفا انفجار لن يفلت أحد من عاقبته المؤلمة إذا اندلع واتسع!


ما يجرى الآن هو علامة فارقة في تاريخ العلاقات الدولية؛ وعلامة مفصلية في شكل النظام العالمي الجديد؛ فالشرق الأوسط بعد 7 أكتوبر لن يعود كما كان قبل هذا التاريخ حتمًا؛ وهو ما يعيدنا إلى ما سبق أن قاله  فضيلة شيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب في أحد اللقاءات التي جمعت بين حكماء الشرق وحكماء الغرب.

 

 

يقول الدكتور أحمد الطيب "إنه ولا ريب في أن هذه الحوادثُ باتت تَفرِضُ على أصحاب القرار النافذ والمؤثرِ في مجريات الأحداث، أن يتحملوا مسئولياتهم كاملةً أمامَ الضَّمِيِر العالمي والإنساني، وأمامَ التاريخِ، بل أمام الله يوم يقوم الناس لرب العالمين.

 

هذه المسئوليات التي تفرض عليهم فرضا أن يتدخَّلُوا اليوم قبل الغد ـ لصد هذا الإرهاب العالمي، ووقف حمامات الدماء المسفوكة وأكوام الأشلاء المتناثرة من أجساد الفقراء والمساكين، وأطفالهم ونسائهم، والتي يقدِّمونها كل يوم قرابينَ على مذابح العابثين بمصائر الشعوب، والغافلين عن قِصاصِ السَّماءِ والعدل الإلهي، الذي قد يمهل قليلًا، لكنه بكلِّ تأكيدٍ لا يهمِلُ ولا ينسى.

 

ومن ثم فإنه تلزم مطالبة العالم أيضًا بالتمسك بسياسة حل القضية الفلسطينية حلا عادلًا شاملًا، لأن حل هذه القضية –فيما يقره كل منصف وعاقل-هو مفتاح المشكلات الكبرى التي تعيق التقاء الشرق بالغرب، وتسمم العلاقات بين حضارتيهم، وضرورة التصدي لمحاولات تهويد أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، المسجد الأقصى المبارك".

توحد الأمة العربية والإسلامية


من رحم الأزمات والمحن تولد المنح؛ وقد رأينا كيف توحد الغرب كله لحماية إسرائيل في وجه مقاومة تدافع عن أرضها ومقدساتها التي يجري انتهاكها منذ عقود؛ ومن ثم وانطلاقًا من ازدواجية الغرب وانحيازه الأعمى لتل أبيب رغم تحفظه على بعض جرائمها في حق أهلنا في فلسطين المحتلة فإنه على الأمة العربية والإسلامية أن تعيد النظر جذريًّا في الاعتماد على الغرب الأوروبي الأمريكي المتغطرس.

 

وعلى الفلسطينيين أن يثقوا في أنَّ الغرب بكل ما يملك من طاقاتٍ عسكريةٍ وآلاتٍ تدميريةٍ ضعيف وخائف حين يلقاكم أو تلقونه كما قال الأزهر الشريف في بيانه المهم والتاريخى، فهو يقاتلُ على أرضٍ غير أرضه ويدافع عن عقائد وأيديولوجيات بالية عفا عليها الزمن، وأصبحت من المضحكات المبكيات.

 

وعليكم أن تواجهوه معتصمين بالله ورسوله محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، وبصمودكم في وجه هجماتِه الوحشية البربريَّة، وما مقدار الغرب في ميزان الصومال وأفغانستان منكم ببعيدٍ، وعلى الأمة الإسلامية أن تستثمر ما حباها الله به من قوة وأموال وثروات وما تملكه من عُدةٍ وعتادٍ، وأن تقف به خلف فلسطين وشعبها المظلوم الذي يواجه عدوًّا فقد الضَّمير والشعور والإحساس، وأدار ظهرَه للإنسانيَّة والأخلاق وكل تعاليم الرسل والأنبياء.

 

وعليكم أن تستجيبوا لقوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.. فهل تعى الشعوب العربية فحوى هذا البيان المهم.. إلى متى نعول على الغرب الكاذب والمخادع والمساند لإسرائيل التي لا تكف في كل لحظة عن ارتكاب جرائم إبادة جماعية لأهل غزة..

 

أين ضمير العالم.. بل أين قوة العرب ووحدتهم.. ولماذا لا تتوحد كلمتهم.. ماذا ينتظرون لإنقاذ الأشقاء الفلسطينيين من آلة القتل الإسرائيلية.. صدقوني.. التاريخ لن يرحم كل من غض الطرف أو تخاذل أو تقاعس عن التصدى لتلك البربرية الوحشية التي لا ترحم طفلا ولا امرأة ولا شيخًا بل تحصد الرقاب بلا رحمة..

 

 

فإلى متى يتفرج العرب وفي أيديهم قوة بشرية وطبيعية هائلة لو أحسنوا استخدامها لأجبروا الغرب على منع إسرائيل من ارتكاب مزيد من الجرائم.. فأين نحن من قول الله تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" (آل عمران: 103).

الجريدة الرسمية