رئيس التحرير
عصام كامل

ليس دفاعا عن حماس

هذا المقال ردا على صامويل ويربيرج المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، الذي قال في مداخلة معي إن حماس ليس لها شرعية ولا تمثل الشعب الفلسطيني.. له ولكل المؤلفة قلوبهم فلسطينيا وقبل وجود حماس، شكلت غزة بالنسبة لإسرائيل تاريخيا معضلة كبيرة جدا، فرغم قدرتها على الاستمرار في احتلالها، إلا أن الثمن والتكلفة باهظان.. 

 

فالمقاتلون الفلسطينيون يزدادون قوة، والكثافة السكانية هناك لا تبشر بأي مستقبل للاستيطان. في 12 سبتمبر عام 2005 تحررت غزة بخروج آخر جندي صهيوني وشكّل تحرير غزة نقطة فارقة في التاريخ الفلسطيني..

 

كونها المرة الأولى التي يتمكّن فيها الشعب الفلسطيني، بفعل المقاومة، من طرد الاحتلال الإسرائيلي عن أرض فلسطينية محتلة منذ النكبة عام 1948، من دون اتفاق أو تسوية أو دفع أثمان سياسية. حتي جاءت انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000  وشكلت نقلةً نوعية في الصراع، بحيث بدأت المقاومة تطويرَ أدواتها وقُدُراتها العسكرية.


و درءا لأي تأويل، هذا ليس دفاعا عن حماس ففي ضمير أي مصري غضة في القلب من سلوكها الاجرامي في احداث 25 يناير وما تلاها من مناصرة جماعة الإخوان، وتلك مقدمة ضرورية لما هو آت ومبدئيا فلا تحاول إقناع المقـاومة أن ما قامت به يضر بالقضية، بل حاول إقناع نفسك أنه لا دخل لك فيما يقرره من يقـاوم علي الأرض. وإعلم أنه لا يجوز للقاعد أن يفتي للمجـاهد.


قيل لأحد الفقهاء: لماذا جُعلَ باب الجهـاد في آخر كتب الفقه؟ فقال: لئلا يتكلم في الجهـاد من لا يُحسن الطهارة! ولكن الخطأ القاتل أنهم ذهبوا للحرب دون الإعداد لها كما أمرنا القرأن (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ).. 

 

وبداية فإن حماس منتخبة من الشعب الفلسطيني في آخر انتخابات أشاد بها البيت الأبيض بلغت نسبة التصويت في هذه الانتخابات 77%، وحصلت قائمة التغيير والإصلاح على 74 مقعدًا من أصل 132 مقعدًا، بينما حصلت قائمة حركة فتح على 45 مقعدًا، وتوزعت باقي المقاعد الثلاثة عشر على عدد من القوائم الأخرى ومرشحين مستقلين على مستوى الدوائر.


وقد جرت الانتخابات بإشراف نحو تسعمائة مراقب أجنبي يرأسهم الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، وتم نشر حوالي 13 ألف شرطي في الضفة الغربية وقطاع غزة، حمايةً لأكثر من ألف مركز انتخابي. وذكر رئيس اللجنة الانتخابية حنا ناصر أن التصويت بصفة عامة جرى بهدوء دون شكاوى تذكر.. 

حماس والانتخابات الفلسطينية القادمة

 

كما صرّح النائب والمراقب الأوروبي فرانسيس ورتس إن العملية جرت بصورة جدية دون أيّ مشاكل. من جهته قال المتحدث باسم وزارة الداخلية الفلسطينية توفيق أبو خوصة إنه لم تسجل خروقات تُذكر. 

 

في حين أجمع كافة المراقبون والمحللون السياسيون، على أن إجراء الانتخابات في ظل جو من الهدوء الذي ساد يسجل إنجازًا للشعب الفلسطيني بكافة توجهاته من سلطة وفصائل، لا سيما في ظل العملية الانتخابية، رهان العديد من الأطراف، وتشكيكهم في مقدرة الشعب الفلسطيني إنجاح هذه التجربة الديمقراطية، وقدرته على إدارة شؤونه.


وقد تأخّرت الانتخابات الفلسطينية منذ فترة طويلة، حيث أُجريت الانتخابات التشريعية في شهر يناير من عام 2006 للمرّة الأخيرة في الأراضي الفلسطينية، في حين أنّه بحسب القانون الأساسي الفلسطيني، يجب عقدها كلّ أربع سنوات. وحقّقت حركة حماس نصرًا ساحقًا في الانتخابات التشريعية لعام 2006، ما مكّن الحركة من الهيمنة على الحكومة على حساب منافستها حركة "فتح".

 

وكان من المقرر إجراء الانتخابات، وهي الأولى منذ 17عامًا، على ثلاث جولات، تبدأ بالانتخابات التشريعية للسلطة الفلسطينية في 22 مايو تليها الانتخابات الرئاسية في 31 يوليو، وتنتهي بانتخابات برلمان منظمة التحرير الفلسطينية الخامل لفترة طويلة في المنفى، وهو المجلس الوطني الفلسطيني.. 

 

وفي حين تبنت السلطة خطاب تأجيل الانتخابات بسبب القدس الشرقية، وجدت العديد من الفصائل أن قرار السلطة نابع من فتح ومخاوف تفتت الأصوات التي ظهرت مع دخول عدد من قادة الحركة للانتخابات في قوائم مستقلة والخوف من سيناريو 2006، ووصل البعض إلى إتهام السلطة باستخدام سيناريو 2006 بوصفه فزَّاعة لتسويق خيار تأجيل الانتخابات في اللقاءات التي تمت مع الاتحاد الأوروبي وغيره من الأطراف. 

 

غير أن السبب الحقيقي يتعلق بالانقسامات داخل حركة فتح التي ينتمي محمود عباس إليها. حيث بنى محمد دحلان، رئيس الأمن السابق في غزة والمنافس اللدود لعباس، قاعدة دعم كبيرة بين نشطاء فتح الساخطين، لا سيما في غزة. 

 

والأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لعباس هو قرار ناصر القدوة، الذي خدم كسفير للسلطة الفلسطينية في الأمم المتحدة ووزير خارجية سابق، بتشكيل قائمته الخاصة، والتي حظيت بدعم مروان البرغوثي، رئيس الأمن السابق الذي يتمتع بشعبية كبيرة والذي يقضي الآن عدة أحكام بالسجن مدى الحياة في سجن إسرائيلي. 


وهكذا لم ينتخب الفلسطينيون ممثليهم في المجلس التشريعي نتيجة لحالة الانقسام السياسي والتدخلات الإقليمية وإضافة للأسباب الفلسطينية الداخلية، برزت تدخلات عربية وإقليمية ساهمت بدورها في تأجيل الانتخابات، خشية منهما من فوز محقق لحماس.. 

 

 

إضافة إلى ذلك، هددت إسرائيل السلطة الفلسطينية أكثر من مرة بأن فوز حماس في الانتخابات القادمة سيعني مقاطعتها، ووقف تحويل الأموال اليها، وتجميد التنسيق الأمني معها، ما اعتبر رسالة تحذير إسرائيلية شديدة اللهجة للسلطة الفلسطينية، التي ترى نفسها مرتبطة بحبل سري مع إسرائيل أمنيًا وماليًا..
رغم كل هذه الأسباب مجتمعة، أعلن محمود عباس أن سببه الحقيقي لإعلان التأجيل يكمن في رفض إسرائيل لإجراء الانتخابات في شرقي القدس.

الجريدة الرسمية