رئيس التحرير
عصام كامل

حقائق ومعارف

لله تعالى في خلقه شئون وكل أفعاله سبحانه وتعالى له فيها حكمة، نعلم القليل منها ويغيب عنا الكثير منها، وهو سبحانه وتعالى العليم الخبير الحكيم. وهناك خلط لدى الكثير من الأفهام بين المرادات الإلهية والأوامر الإلهية.. المرادات الإلهية هي كل ما قضت به المشيئة الإلهية لحكم إلهية وهي نافدة لا محالة وليس للخلق فيها اختيار ولا حيلة، وهي متعلقة بقضاء الله تعالى وقدره عز وجل، إذ إن الله تعالى هو الفعال لما يريد ولا يقع في ملكه إلا ما أراد. 

 

وهو سبحانه وتعالى الذي لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه.. والمرادات الإلهية لا حيلة للخلق فيها فهي أقضية قضى بها الحق سبحانه وهو تعالى مقدر الأقدار بعلمه.  يقول عز وجل "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" أي أن مراده سبحانه فوق الأمر. والله تعالى فعال لما يريد ولا يسئل عما يفعل إذ إنه تعالى له الأمر من قبل ومن بعد. أي 'من قبل أن يخلق الخلق ومن بعد أن خلقهم. 

 

ولنضرب مثلا على ذلك. عندما خلق الله تعالى أبو البشر أبينا آدم عليه السلام وخلق منه أم البشر أمنا حواء عليها السلام وأسكنهما الجنة وأباح لهما أن يأكلا منها حيث شاءا رغدا، ونهاهما على أن يأكلا من شجرة معينة وحذرهما من الأكل منها. كان هذا هو الأمر أن لا يأكلا منها بل ألا يقرباها. 

 

ولكن مراد الله عز وجل أن يأكلا منها ليحقق مراده سبحانه بخلافة الإنسان في الأرض وكان قد سبق منه تعالى الإخبار بذلك حيث قال عز وجل "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ". وقدر سبحانه أن سبب نزول أبينا آدم وأمنا حواء عليهما السلام إلى الأرض الأكل من الشجرة المنهي عنها. 

الأمر والمراد

يقول تعالى "وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ"، الأمر هنا ألا يأكلا من الشجرة وكان لهما أي أبينا آدم وأمنا حواء عليهما السلام الحرية الكاملة في الاختيار وهذا ما يتعلق بالأمر. 

 

والمراد الإلهي أن يأكلا لأنه تعالى كان قد قضى بنزولهما إلى الأرض ولقد أخبر الله تعالى عن ذلك قبل خلق أبينا آدم حيث قال تعالى مخبرا الملائكة "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً".  فكان لابد من الأكل منها حتى يتحقق مراده سبحانه وتعالى.  

 

إذن الأمر ألا يأكلا من الشجرة والمراد أن يأكلا. هذا بالنسبة للمراد والله تعالى إذا أراد نفاذ مرادا له أذهب عن أصحاب العقول عقولهم حتى ينفذ مراده سبحانه. هذا بالنسبة للمراد الإلهي. أما بالنسبة للأمر الإلهي فالإنسان له مطلق الحرية في الالتزام بالأمر وطاعة الله تعالى فيه أو أن يعصي الله ولا يطيعه. حتى في قضية الإيمان بوجود الله جل جلاله ووحدانيته للإنسان مطلق الحرية في أن يؤمن أو أن يكفر. 

يقول تعالى "فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ". وكذلك فيما يتعلق بطاعته عز وجل. للإنسان مطلق الحرية في أن يطيع أو أن يعصي. يقول عز وجل "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" ومن هنا كان الحساب والجزاء.. وكان دور العقل فهو مناط ومحل التكليف.. اللهم إننا نؤمن بقضاءك وقدرك ونقر بأنك فعال لما تريد وأن الملك ملكك والخلق عبيدك نواصيهم بيدك وأنت الفعال فيهم ونؤمن بأنك الفعال في الكون ولك ما شئت. 

 

فنسألك اللهم أن تسقط مرادنا لمرادك واختيارنا لاختيارك وأن تبرأنا من حولنا المتوهم إلى حولك يا صاحب الحول والقدرة والقوة سبحانك ربي، تباركت في علاك يا من له الحكمة والشأن في كل أمر، ما نعلم منه وما نجهل وما أكثر ما نجهل.. وفي الختام نقدم بين يديك سبحانك جهلنا بحكمتك عذرا لنا. فلا تؤاخذنا بجهلنا ولا على ضعفنا. فنحن عبيدك بنو عبيدك وأماؤك فتعطف علينا بمنحنا فهما ربانيا من لدنك نفهم به منك عنك سبحانك تباركت في علاك. 

الجريدة الرسمية