رئيس التحرير
عصام كامل

أستاذ تاريخ: عبدالناصر عاش في قلوب الناس بسبب انحيازه للفقراء

ضريح عبدالناصر، فيتو
ضريح عبدالناصر، فيتو

ذكرى وفاة جمال عبدالناصر، قال الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث، عضو المكتب السياسى  للحزب الناصري، أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ما زال حيا في قلوب الناس بسبب انحيازه الواضح للفقراء وتبني برامج حماية اجتماعية لمحدودي الدخل. 

وأضاف:"حينما تم اعلان وفاة عبد الناصر كنت تلميذا بالاعداداية ورغم اعلان خبر الوفاة الا ان بلدتي كلها خرجت تهتف يعيش جمال عبد الناصر".  

وتابع على هامش زيارة لضريح عبدالناصر اليوم:" أدركت الان لماذا يعيش جمال عبد الناصر فى قلوب المصريين رغم مرور ٥٣ عاما على وفاته من خلال إنجازاته ومشروعة الوطنى وإيمانه بهذا الشعب وهذه الامة".

Advertisements

وبدأ منذ الصباح الباكر توافد عشرات الأفراد من الشعب المصرى من كافة محافظات مصر على ضريح الزعيم جمال عبد الناصر لاحياء ذكرى رحيله.

وفي مثل هذا اليوم السابع والعشرون من سبتمبر رحل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، بجسده تاركا خلفه مسيرة حافلة، وجدل لا يتوقف حول شخصيته وعدد من قراراته التي ما زالت تؤثر على حياة قطاع كبير من المصريين حتى الآن.

وبعيدا عن الخلاف حول سياساته نرصد في التقرير التالي بعض من سيرة الزعيم الراحل ودوره المهم في تاريخ مصر الحديث.

ولد عبدالناصر في 15 يناير 1918، في طبقة متوسطة، وكانت مسيرته السياسية حافلة ومملتئة بالأحداث التاريخية التي مثلت محطات فارقة في حياته وتاريخ الشعب المصري، بل والعربي بأكمله.

مثلت حرب 48 في فلسطين، خلال فترة حكم الملك فاروق، أول المعارك العسكرية التي خاضها جمال عبدالناصر، حيث خدم في كتيبة المشاة السادسة التي أرسلها الملك لتحرير قرية الفالوجة الفلسطينية، وكان ناصر وقتها نائبا لقائد القوات المصرية، وخلال الحرب لاحظ عبدالناصر نقص استعدادات الجيش المصري، ما مثل له انزعاجا كبيرا، بالإضافة لصفقة الأسلحة الفاسدة التي اشتراها الملك لتسليح الجيش المصري آنذاك والتي أدت لمقتل الكثير من الجنود المصريين، واعتبرت من أهم أسباب فشل حرب 48.

كانت الهزيمة التي تعرض لها الجيش المصري في حرب 48 بسبب صفقة الأسلحة الفاسدة، بالإضافة لتردي الأوضاع المعيشية وانتشار الطبقية والإقطاع والظلم، ضمن عوامل قيام ثورة 1925، بقيادة مجموعة من الضباط الأحرار في الجيش المصري، كان ضمنهم وبشكل أساسي جمال عبدالناصر، حيث انطلقت الثورة في 23 يوليو عندما أذاع الرئيس الراحل السادات بيان الثورة، لتتحرك على الفور وحدات الجيش المنضمة إلى الثورة بتخطيط مسبق، للاستيلاء على مقر قيادة الجيش، وجميع المباني الحكومية، ومراكز الشرطة، والمحطات الإذاعية، واستمر الوضع على ما هو عليه إلى أن تم إعلان الجمهورية وإلغاء الملكية في عام 1953، ليصبح الرئيس الراحل محمد نجيب أول رئيس لبلاد.

اقترب ناصر من حكم البلاد عندما عين كرئيس للوزراء، ففي عام 1954، أعلن الرئيس الأسبق محمد نجيب استقالته من مجلس قيادة الثورة، ولأن ناصر كان لايزال عضوا في مجلس قيادة الثورة، فعُين قائدًا لمجلس قيادة الثورة ورئيسًا لمجلس الوزراء، على أن يبقى منصب رئيس الجمهورية شاغرًا.

"فليبق كل في مكانه أيها الرجال.. فليبق كل في مكانه.. حياتي فداء لكم.. دمي فداء لكم سأعيش من أجلكم وأموت من أجل حريتكم وشرفكم"، بهذه الكلمات رد جمال على محاولة اغتياله من قبل جماعة الإخوان المحظورة، عبر إطلاق النار عليه، خلال إلقائه خطابه الشعبي في ميدان المنشية بالإسكندية في 26 أكتوبر من العام 1954؛ ليتم بعدها محاكمتهم وإعدام عدد منهم.

وصل عبدالناصر إلى سدة الحكم، وأصبح رئيسا للجمهورية في 25 يونيو 1956، بعد وضع الرئيس محمد نجيب تحت الإقامة الجبرية، إثر تنامي الخلافات بين نجيب وبين مجلس قيادة الثورة، إلى أن تم اختيار ناصر رئيسا للجمهورية في 1956، طبقًا للاستفتاء الذي أجري في 23 يونيو 1956.

"ديليسبس"، كانت تلك إشارة البدء التي اتفق عليها ناصر مع بعض الأفراد المسئولين عن التحرك لتأميم قناة السويس، فلم يكن أمامه خيار آخر لبناء السد العالي، لإنقاذ الفلاحين من غرق الفيضان في كل عام سوى الحصول على الأموال من خلال تأميم قناة السويس، حيث رفض البنك الدولي إمداد مصر بالتمويل اللازم لبناء السد، لذا إتخذ قراره بتأميم القناة، لينتهي بذلك عهد السيطرة البريطانية على أرباح القناة.

في مشهد مهيب هز دول العالم، اجتمع ناصر بالرئيس السوري شكري القوتلي، في القاهرة عام 1958، بين حشود المواطنين؛ لتوقيع ميثاق الجمهورية المتحدة بين مصر وسوريا، لتصبح أول وحدة عربية، ويتم اختيار ناصر رئيسًا لها والقاهرة عاصمة لها، ثم في عام 1960 جرى توحيد برلماني البلدين في مجلس الأمة بالقاهرة، لتلغي على إثره الوزارات الإقليمية وتبقى لصالح وزارة موحدة في القاهرة.

أصبح ناصر رئيسا للبلاد للمرة الثانية على التوالي، ولم يمر كثيرا على ذلك حتى وضعه العدوان الثلاثي في وضع حرج، فقد ضربت فرنسا وإنجلترا وإسرائيل، مدن القناة، وذلك إثر تأميم قناة السويس، ونتيجة دعم مصر للثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي وإمدادها بالمساعدات العسكرية، وترك العدوان وراءه خسائر فادحة في المتلكات العامة والمباني، بالإضافة لامتلاء شوارع مدن القنال بجثث الشهداء، لكن مصر خرجت منه أكثر تماسكًا، بعد التضامن العربي والدولي مع موقفها.

كانت النكسة قاسية على المصريين والوطن العربي بأكمله، فنتيجة أسباب كثيرة من بينها إغلاق مصر للممر الملاحي الدولي خليج العقبة وتأميم القناة، إلى احتلال إسرائيل لسيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان، وتكبدت مصر استشهاد نحو 10-15 ألف جندي، وأسر 4 آلاف آخرين، بالإضافة لتدمير 209 طائرات من أصل 340 طائرة مصرية، أما في سوريا فدمرت 32 طائرة ونسبة كبيرة في المعدات، أما في الأردن فقد دمرت 22 طائرة، وفقد العراق جزءًا من سلاحه الجوي، لتصل خسائر المعدات العربيّة إلى 70 - 80% من مجمل طاقتها.

وما زاد الوضع مرارة، هو ظهور الرئيس عبدالناصر على شاشة التليفزيون المصري متعرقا باكيا يمسح خجله بمنديله الأبيض، وهو يعلن تنحيه عن السلطة بشكل كامل ونهائيا، وأن يعود لصفوف الجماهير ليمارس حقه مثله مثل أي مواطن مصري.

لكن الشعب المصري لم يتخل عن قائده رغم الهزيمة المريرة، فخرج المواطنون في مشهد مهيب في جميع ربوع مصر تطالب ناصر بالرجوع عن قرار التنحي، وامتلأ ميدان التحرير في وسط العاصمة عن بكرة أبيه، حتى عاد جمال إلى السلطة مجددا.

لم يمر كثيرا على الهزيمة المريرة، ليرحل جمال بعد النكسة بـ3 سنوات، وتصل رحلته إلى محطتها الأخيرة؛ ليخلف وراءه صدمة وبكاء وعويل في مصر والوطن العربي، وجنازة مهيبة خرج فيها الملايين من الشعب المصري، يودعوه بالورود والدموع، بينما ظهر ضباط الجيش والقادة السياسيين المصريين يبكوه، بجانب حضور جميع القادة العرب ماعدا الملك فيصل ملك السعودية، في مشهد مهيب سطره التاريخ العربي والعالمي.

الجريدة الرسمية