رئيس التحرير
عصام كامل

اعرف نفسك (2)

عزيزي القارئ لازال الحديث عن أسرار الله تعالى في مملكة الإنسان والتي تدور حول الأربع الكائنة في وعاء الجسد وهي القلب والعقل والنفس والروح. وكنا قد ألقينا الضوء عليها في عجالة في المقال السابق.. وفي هذا المقال نتحدث بشيء من الاستفاضة عن ربان مملكة الإنسان ومحل نفخة الرحمن سبحانه وموطن الإيمان ومحل النية وهو القلب.

 

ورد ذكر القلب في القرآن الكريم خمس وعشرين مرة تحمل عدة أوصاف له بحسب حال صاحبه. منها القلب المطبوع عليه من الله والمحجوب عن ربه تعالى وهو قلب أهل الجدل بغير علم وبغير فهم وإذن من الله عز وجل وهم قلب أهل الكبر الجبارين الممقوتين من الله والمشار إليهم بقوله سبحانه   "الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۖ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّار"..

 

وهناك القلب العاقل الذي يعقل آيات الله تعالى وكلامه سبحانه وهو قلب أصحاب الفهم الرباني الذين يفهمون بالله عن الله. وهم المشار إليه بقول جل جلاله "إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ".. 

 

وهناك القلب الذي ختم الله تعالى على سمع وبصر صاحبه، وهو القلب المظلم الخالي من نور الإيمان المحجوب عن الله عز وجل وهو عقل أهل الكفر والشرك والضلال. المشار إليهم  بقوله تعالى "خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ "..

 

ومن القلوب أيضا القلب السليم وهو القلب الطاهر النقي الصافي الخالي من حب الدنيا ومن الأمراض والعلل، والذي لا يحمل حسدا ولا غلا ولا كراهية لأحد من الناس، وهو القلب المتعلق بالله تعالى والمستنير بنوره عز وجل. وهو المشار إليه بقوله تعالى "إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ".

 

وهناك أيضا القلب المريض بالنفاق وهو المشار إليه بقوله تعالى "فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ"..

 

وهناك قلوب قاسية غليظة خالية من الرحمة كما جاء في قوله تعالى "ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ". وقوله سبحانه "وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ"..

 

القلب الآثم والقلب الزائغ

وقوله عز وجل “وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ”. هذا ومن الآيات التي نزلت في ذكر القلب. قوله جل شأنه "قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ".

 

وقوله تعالي "وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ۘ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ۗ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ". وقوله جل جلاله "وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ". وقوله تبارك في علاه "لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ".

 

وقوله تعالى "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم ".


ومن القلوب القلب الآثم وهو قلب من يكتم الشهادة ولا ينطق بها ولا يؤدي أمانتها. وهو المشار إليه بقول الحق عز وجل "إِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ".. 

 

ومنها القلب الزائغ الذي يزيغ عن الحق ولا يتبعه ويتبع الباطل. وهو المشار إليه بقوله تعالى "هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ".. وقوله تعالى "رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنت الْوَهَّابُ".

ومنها القلوب المؤلفة وهي التي آلف الله بين أصحابها. وفي الختام كلمة القلب جاءت من التقلب وقلوب العباد ونواصيها بيد خالقها وبارئها سبحانه وتعالى. فاللهم ثبت قلوبنا على الإيمان واليقين وأملأها محبة لك سبحانك ولحبيبك المصطفى وآل بيته والصالحين صلى الله على حضرته وتعالى آله وسلم..

الجريدة الرسمية