رئيس التحرير
عصام كامل

الحاكم والمحكوم (2)

الشرعية لا تكون قائمة إلا في الحالة التي يشعر فيها المحكومون بأن النظام العام الذي يرعاه الحاكمون مستمد من الشرعية التي تتضمن منها الجماعة معيارا للخطأ والصواب.. فإذا قام النظام السياسي على أساس تلك الشرعية فإنه يولد شعورا في نفوس المحكومين بأن  ذلك النظام يعبر عن مخزون ضمائرهم، وبالتالي فإنه نظام مشروع ويستحق منهم التأييد والطاعة.. 

 

فالمواطنون لا يعترفون بشرعية السلطة إلا إذا كانت مستمدة من المعتقدات الفكرية الكامنة في نفوسهم، وقد عبر ابن خلدون عن هذه الحقيقة بقوله: أعلم أن الاجتماع للبشر ضروري، وهو معنى العمران، وأنه لا بد لهم في الاجتماع من وازع حاكم يرجعون إليه.. 

 

وحكمه فيهم تارة يكون مستندا إلى شرع منزل من عند الله يوجب انقيادهم إليه وتارة إلى سياسة عقلية يوجب انقيادهم إليها وما يتوقعونه من ثواب ذلك الحاكم بعد معرفته بمصالحهم، فالأولى يحصل نفعها في الدنيا والآخرة لعلم الشارع بالمصالح في العاقبة، والثانية إنما يحصل نفعها في الدنيا فقط.. 

 

فابن خلدون يقرر هنا أن الاجتماع البشري لابد منه بحكم الضرورة وهذا الاجتماع لابد له من ضابط لحركة النظام فيه، وهذا الضابط إما أن يرتكز على أسس شرعية أو عقلانية.. وقد قرب من نفس المعني العالم السياسي الأمريكي  ديفيد إيستون حينما ذهب إلى القول: بأن من أهم عوامل استقرار النظم السياسية وثباتها هو اعتقاد الأفراد بأن من واجبهم قبول وطاعة الحاكم والعمل بمقتضى النظام الذي يقوم بأعماله من واقع الحياة. 

 

 

ولن يتوفر ذلك الاعتقاد إلا إذا أحس الأفراد المحكومين بالالتقاء والتوافق مع الحاكمين وهو ما يعني ضمانة هامة من ضمانات الحرية السياسية.. على العموم عندما يلتقي الحاكم والمحكوم ويتوافقان في مفهوم الشرعية سيؤدي هذا الانسجام الفكري إلي وحدة الشعور الجماعي تجاه الظروف الموضوعية المعوقة لنمو وازدهار الحرية السياسية.

الجريدة الرسمية