رئيس التحرير
عصام كامل

الفن وسنينه

لماذا يضحك صناع السينما على الجمهور؟

الفنون بصفة عامة عملية إبداعية لا تخلو من الخيال واللامنطق في أحيان كثيرة، والسينما بصفة خاصة تعتمد على الخيال بدرجة كبيرة، فهو الذي يضيف إليها أبعادًا مهمة حتى لو كانت تطرح قضايا وموضوعات حقيقية وواقعية!، فهناك خيال المؤلف وإبداعه الخاص مع رؤية المخرج ولمساته، فتكون المحصلة مزيجًا من الحقيقة والخيال، ولكن بدرجات متفاوتة حسب طبيعة الموضوع الذي يتم تناوله بالفيلم..

 

وقد دأب صناع السينما المصرية في فترات كثيرة من تاريخها الحافل على تقديم أعمال جيدة، تحمل موضوعات ثرية وحيوية ومبتكرة، تضع في اعتبارها في المقام الأول ضرورة احترام عقول المشاهدين وإدراكهم، فلا تتعالى عليهم ولا تستخف بهم أو تعمد إلى تسطيحهم أو محاولة الضحك عليهم ! 

 

بل على العكس تسعى بقوة إلى الارتقاء بهم وبأفكارهم وبمستوى استيعابهم ، وذلك على الرغم من ارتفاع نسبة الأمية بنوعيها الأبجدية والثقافية وقلة وسائل المعرفة بشدة، مقارنةً بعصرنا الحالي الذي شهد ومازال ثورة مذهلة في طرق ووسائل المعرفة، خاصةً فيما يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت كل شيء متاحا ومباحا للجميع بأقل التكاليف وبلا مجهود يذكر!


ولكن للأسف معظم صناع السينما لم يحسنوا استغلال هذه الثورة الإلكترونية لعمل أفلام أكثر مصداقية وتعبيرًا عن الناس، الذين صاروا بفضل هذه الثورة كتبًا مفتوحة ومعلوم اتجاهاتها وتوجهاتها وتطلعاتها.. 

 

فأنتجوا في السنوات الأخيرة مجموعة كبيرة من الأفلام معظمها  مصنفة في خانة الكوميديا، ضعيفة المستوى لحد السذاجة والعبط والتي لا تنظر نظرة احترام  للمشاهد الذي صار أكثر وعيًا وإدراكًا وذكاءً من ذي قبل بكثير، ولم يعد مقبولًا تمامًا تجاهل ذلك ومحاولة الضحك عليه والاستخفاف به!


هنيدي ابن شداد طالب

 
من أكثر الفنانين الذين لهم أفلام من النوعية التي ذكرناها تخاصم العقل وتستخف تمامًا بعقول المشاهدين محمد هنيدي بأفلام مثل عنتر ابن ابن ابن شداد، فكرة صادق شرشر وسيناريو وحوار الشاعر الغنائي الموهوب أيمن بهجت قمر وإخراج شريف إسماعيل.. 

 

وفيه جمح خيال المؤلف وفرط منه للدرجة التي أفسدت العمل، وجعلته أكثرسذاجة من بعض أفلام المقاولات التي شهدتها حقبة التسعينيات ! ومن ثم كان من الطبيعي أن يفشل الفيلم فشلًا ذريعًا في الشباك، وينال هنيدي وصناعه انتقادات عنيفة من النقاد، واعتبره الكثيرون أسوأ أفلامه على الإطلاق!


ومن أفلام هنيدي من ذات النوعية أيضًا فيلم نبيل الجميل أخصائي تجميل، تأليف آمين جمال ومحمد محرز وإخراج خالد مرعي مخرج الأفلام المتميزة تيمور وشفيقة، عسل أسود، آسف على الإزعاج! 

 

وفيه يظهر هنيدي كطالب في كلية الطب هو واللبنانية نور ،ويتخرج ويصبح أخصائي تجميل دون فاصل زمني ينقله لمرحلة عمرية مناسبة، وهو في الحقيقة في الستين من عمره! وكذلك نور في أواخر الأربعينيات! فهل هذا يعقل؟ ناهيك عن سذاجة الفيلم، وتواضع وتكرار مواقفه وأحداثه المفترض أنها كوميدية تضحك الجمهور ولا تضحك عليه!


كذلك يأتي أحدث أفلامه مرعي البريمو الذي كتبه إيهاب بليبل وأخرجه سعيد حامد، وفيه يلعب هنيدي دور تاجر بطيخ صعيدي شاب! ولكنه لا يجيد الحديث بهذه اللهجة وكذلك زوجته غادة عادل ووالدها محمد محمود ومعظم من في الفيلم! 

 

هذا فضلًا عن سطحية موضوعه المقتبس من الفيلم الجميل أفراح لحسن يوسف ونجلاء فتحي مع الفارق الكبير بينهما! كذلك محاولة هنيدي استدعاء إفيهاته القديمة التي تجاوزها الجمهور والزمن مثل خليكي فريش إحنا في رحلة!

العاشقان ليلى وبيومي


ومن الأفلام الأخيرة التي بها أحداث ومواقف غير منطقية لم يتقبلها الجمهور وسخر منها وتندر عليها فيلم ع الزيرو لمحمد رمضان ونيللي كريم، تأليف الدكتور مدحت العدل وإخراج ماندو العدل والذي يعيش فيه رمضان أو دراجون تاجر الأعضاء البشرية قصة حب تنتهي بالزواج من الممرضة مريم - نيللي كريم، رغم أن فارق السن في الحقيقة بين النجمين يتجاوز الـ 17 عامًا! هذا بجانب عدم منطقية الأحداث التي حاول مؤلف الفيلم صبغها بالطابع الإنساني ولكن هيهات!


من الأشياء المثيرة للدهشة أيضًا ذلك الثنائي الفني الجديد الجميلة ليلى علوي نجمة أفلام الرومانسية ونجم الكوميديا بيومي فؤاد واللذان يستعدان لثالث أفلامهما معًا بعنوان 'المستريحة"، بعد فيلمي ماما حامل وشوجر دادي خاصة الأخير الذي تجسد فيه ليلى دور زوجة وأم لشابين كبيرين، وتعاني من خيانة زوجها لها، الذي يقرر الزواج من راقصة رغم أنها تهيم عشقًا به! فتحاول استعادته بشتى الطرق!


وهند صبري لم تكن مقنعة ككوميديانة في فيلم نعمة وفضل مع المتلون بكل الأدوار بنفس البراعة ماجد الكدواني، ولم تكن كذلك مناسبة ومقنعة في دور الفتاة الصعيدية المناضلة دولت فهمي في فيلم كيرة والجن ، مع النجمين كريم عبد العزيز وأحمد عز!


وأخيرًا أليس الفشل الكبير الذي تعرض له فيلم 'فارس' بطولة أحمد زاهر في شباك التذاكر حيث لم يحقق سوى 700 ألف جنيه وتم رفعه سريعًا من دور العرض وحجم الانتقادات التي طالته ونال منها زاهر النصيب الأوفر، لدليل على عدم منطقية الفيلم وغرابة الدور الذي جسده والذي لم يقتنع به الجمهور ولم يتعاطف معه.. 

 

 

حيث ظهر كبطل رياضي مغوار يحارب وحده رجل أعمال جبار، وراءه جيش جرار من الفتوات والعتاة المسلحين وينتصر عليهم! وأحمد زاهر في الأساس لا يساعده بنيانه الجسماني ولا لياقته الجسدية وعمره الحقيقي على أداء مثل هذا الدور بإقناع ومصداقية!. ولكن هي أحكام صناع السينما الذين يضحكون على الجمهور بل ويضحكون على أنفسهم أيضًا!

الجريدة الرسمية