رئيس التحرير
عصام كامل

مصر أكبر من الوصف والاختصار !

لا يمكن اختصار مصر في شخص أو زمان أو مكان.. وباختصار مصر أكبر من الاختصار، وتستعصى حتى على الوصف.. وحتى لا يظن البعض أن كلامى من الجمل الإنشائية أو البلاغة اللفظية.. تكون إجابات بعض الأسئلة التى أطرحها خير دليل مثل: 

 

هل يمكن حصر الأشخاص الذين سكنوا فيها وتأثروا بها وأثروا فيها، أو صنعوا سطورا فى كتاب التاريخ، ليس لها ولكن فى تاريخ البشرية كلها، هل يمكن وصف مصر من خلال أهلها الآن أو في الماضى، من البدو أم الفلاحين أم الصعايدة أم السواحلية أم من سكان القاهرة والإسكندرية والمحافظات، هل يمكن اختصارها في قادتها عبر العصور أم كتابها ومفكريها أم فنانيها أم مبدعيها أم علماءها.. إلخ؟


هل يمكن حصر ووصف الحقب الزمنية التى مرت بها مصر وصنعت فيها أسس ومرتكزات الحضارات الإنسانية بل ووصلت فيها إلي ما نعجز على اللحاق به الآن رغم التقدم الذى يسود العالم الآن؟! هل يمكن اختصار مصر في القاهرة الحديثة أو القاهرة الإسلامية أو الجيزة الحديثة أو الجيزة الفرعونية، في الصعيد أم وجه بحرى في الصحارى أو الحضر، الآثار الفرعونية أم الرومانية أو القبطية أم الإسلامية، من المزارات الدينية يهودية كانت أو مسيحية أو إسلامية أم السياحية الثقافية منها أم الترفيهية؟

 
ألم أقل لكم مصر أكبر من الاختصار وتستعصى على الوصف، أكبر من أن تقول مصر الفرعونية أو مصر القبطية أو مصر الاسلامية.. ولأن مصر كل ما سبق ذكره وما لم يذكر، أقول مصر كبيرة جدا وللأسف لا يعرف البعض قدرها سواء من أهلها أو من حولها، ويأتى الرد سريعا، ينفق البعض في أماكن كثيرة من العالم المليارات من أجل صنع مناسبة أو ماشابه، وفى مصر الأمر مختلف.. 

 

الوفرة الكثيرة في البشر ورموزههم والأماكن وتعددها، والتخصصات المتعددة تجعل أى صانع قرار في حيرة من الوفرة والكثرة، وليس من القلة والندرة، ومع ذلك كشيم الحضارات العظيمة تستوعب وتحتضن وتفرد غطاء رعايتها لكل من حولها ومن شرب من نيلها، فمن عاش بها مخلصا لترابها صار من أهلها وجرى فى عروقه ماء نيلها..

المهرجان القومى للمسرح 


أقول ذلك بمناسبة متابعتى لحدثين في الأيام الماضية يوضحان ما أشير إليه، المناسبة الأولى كانت افتتاح المهرجان القومى للمسرح المصرى، وتوقفت فيه عند عدة ملاحظات منها: عند دخولك بهو الأوبرا المصرية والمسرح الكبير تشعر بمهابة كبيرة وفخر بأنك تنتمى إلى هذا المكان، والمسألة ليست في بنيان حديث قد يبنى مثله أوأفضل منه فى أى مكان فى العالم، ولكن ما أتوقف عنده الروح التى تسكن هذا المكان.. 

 

الروح التى عزفت وغنت وأنشدت وشخصت وأبدعت وكتبت ولحنت وأخرجت وصنعت هذا التراث الضخم الذى لم يصل منه إلا أقل القليل، ومع ذلك لا نتيه وحدنا به فخرا ولكن تتيه به البشرية معنا ويسكن في وجدانها وينبت على مرتكزاته ما نراه الآن في كل مكان.

 
أثناء اللقاء مع الدكتورة نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة قبل الافتتاح استقبلتنى في طريقى إليها في مكتب الدكتور خالد داغر رئيس دار الأوبرا عشرات الصور من رموز الموسيقى ومؤسسي الأوبرا وللدرجة التى جعلتنى أتوقف عند كل رمز منهم، منحنيا وممتنا على ما قدموه، واستكملت الحوار مع الوزيرة في أهمية النزول للناس وشددت على يدها لإيمانها بهذه الدعوة من جهة، ولرؤيتها فى تطوير أدوات العمل الثقافى من جهة أخرى.

 
وعند توجهى إلى المحطات التالية أدركت حجم المعاناة التى واجهها الفنان محمد رياض رئيس المهرجان واللجنة العليا للمهرجان في الاختيار من بين الوفرة الابداعية في كافة المجالات وهنا تأتى الصعوبة الكبيرة التى تجعلهم في حيرة بالغة.. 

 

من نختار لإطلاق  اسمه على الدورة الحالية للمهرجان ولدينا مئات الأسماء بيننا والآف الآلاف ممن رحلوا بأجسادهم فقط وأعمالهم تزرع البهجة والإبداع فينا كل طلعة شمس؟، كيف نختار المكرمين من الآلاف من النجوم والمبدعين وكل منهم يحتاج وحده لمهرجان وليس تكريم أو درع، من نختار من المتحدثين، من نختار من الكتاب، من نختار لحضور حفل الافتتاح؟


المحطة الثانية التى توقفت عندها هو اختيار وإطلاق إسم الزعيم عادل إمام على هذه الدورة لما له من دلالات كثيرة، في مقدمتها أنه عبر عن تحولات المجتمع المصرى بروح مصرية خالصة وبجرأة كبيرة، وساعده في ذلك مجموعة متميزة من رموز الإبداع في مصر في مقدمتهم الكاتب وحيد حامد وأخيرا لمشواره الفني الممتد على مدار 60 عاما والذى جعله واحدا من أبرز نجوم مصر والوطن العربي.


وتأتى المحطة الثانية وهو اختيار 10 من المكرمين من بين آلاف الآلاف الذين يستحقون التكريم، على أية حال وجدتنى أحيي من مقعدى كل من صعد للتكريم وشعرت أنه تكريم لكل ما هو مصرى وإنساني  وأقولها بعلو صوتى شكرا لكم يامن أسعدتمونا، أقصد صلاح عبدالله، رياض الخولي، خالد الصاوي، محمد محمود، محمد أبو داود، أحمد فؤاد سليم، رشدي الشامي، سامي عبدالحليم ومصممة الديكور نهى برادة، والكاتب الكبير محمد السيد عيد. 


ومن الافتتاح إلى العروض والندوات.. كل شئ يدعو للفرح ويؤكد أن مصر كبيرة جدا.. ولا يمكن اختصار مصر في شخص أو زمان أو مكان.. وباختصار مصر أكبر من الاختصار وتستعصى حتى على الوصف..

 مهرجان العلمين الجديدة


الحدث الثانى هو مهرجان العلمين الجديدة، وهو المهرجان الذى أعتبره احتفاء بميلاد واحدة من أكبر المدن التى ولدت عملاقة من جهة ومن جهة ثانية أن مصر هى قبلة العرب والجميع ومن جهة ثالثة آن العلمين نموذج بأن كل شبر في مصر مبهر ومسرح ربانى لا يحتاج إلى ديكورات بشرية.. 

 

مصر جميلة وهو ما يثير حسد الحساد، إننا في لمحة نصنع ما ينفق عليه البعض السنوات والمليارات ولا ينجحون، لأ ثروتنا الحقيقية في البشر والأرض  والحجر، في الزمان والتاريخ والمكان الذى صنعه أهلها بروحهم قبل أن يكون بدمائهم.

 
والعلمين الجديدة إشارة إلى خروج الإسكندرية  العريقة من جدرانها التى شيدها الإسكندر الأكبر إلى العلمين لنضيف عمقا حضاريا حداثيا إلى ذكرى معركة العلمين الشهيرة.. هنا يغنى نجوم الغناء من مصر والعرب والعالم ممن لهم حضور بين الشباب في 11 حفلا وفى حضور مليون زائر من جميع أنحاء الوطن العربي، مع العديد من الفعاليات الفنية والرياضية والثقافية معارض وعروض ترفيهية مختلفة، بجانب مشاركة فرق واتحادات دولية لرياضات مختلفة في أحداث المهرجان الرياضية.

 


رصدت فقط حدثين فما بالكم بمئات المهرجانات والمؤتمرات وآلاف الآلاف من الندوات الرسمية وغير الرسمية ولقاءات المقاهى والصالونات.. ألم أقل لكم إن مصر كبيرة جدا.. ولا يمكن اختصار مصر في شخص أو زمان أو مكان.. وباختصار مصر أكبر من الاختصار وتستعصى حتى على الوصف!
yousrielsaid@yahoo.com

الجريدة الرسمية