رئيس التحرير
عصام كامل

يسري نصر الله في كايرو فيلم فاكتوري: السينما المصرية مكسوفة من نفسها

المخرج يسرى نصر الله
المخرج يسرى نصر الله خلال اللقاء، فيتو

استضافت "كايرو فيلم فاكتوري" المخرج الكبير يسري نصر الله في لقاء بعنوان "رؤية المخرج" أدارها الناقد السينمائي محمد سيد عبد الرحيم. 


تضمن اللقاء نقاشًا حول رؤية صانع الأفلام، وكيف يمكنه التعبير عنها وتطويرها والدفاع عنها في مواجهة التحديات المختلفة التي تواجهه في إنتاج فيلمه، وخلال مسيرته السينمائية. تحدث نصر الله من واقع تجربته التي تمتد إلى الثمانينيات، كصانع أفلام صاحب  رؤية سينمائية استثنائية وأصيلة في الأسلوب والشكل والمضمون، جعلته من بين أبرز المخرجين  في المشهد السينمائي المصري والعربي والعالمي.

المخرج لا يبحث عن رأيه

قال يسري نصر الله أن المخرج لا يجب أن يبحث من خلال فيلمه عن رأيه، لأنه موجود في كل تفاصيل الفيلم، وإنما ما يبحث عنه هو الإحساس، ودوافعه الأصلية من عمل الفيلم. مشيرًا إلى أن صناع الأفلام الذين ينطلقون من من فكرة أو رأي في المجتمع أو في غيره، لا يعبرون عن السينما التي ينتمي إليها. وقال "على سبيل المثال ما يجعل فيلم كريستوفر نولان الأخير أوبنهايمر فريدًا وسط كل أعماله السابقة التي تنتمي إلى سينما الأفكار الذهنية والفيزياء أنه فيلم حسي بالكامل، فهي المرة الأولى أشعر أن نولان من الممكن أن يكون شاعر". 

وأضاف نصر الله أن السؤال المهم والأهم بالنسبة لصانع الأفلام هو "ما الذي يدفعني لعمل هذا الفيلم. الفيلم هو تلك الفوضى الغامضة والغامرة والصاخبة من الصور التي تسيطر على عقل صانع الفيلم، ووظيفته أن يجد السبيل إلى إعادة تركيب هذا الصخب في عمل سينمائي دون أن يفقده حرارة الدافع الأول. وهذا ما يخلق الإحساس"  مشيرًا إلى أن المخرج يدرك جيدًا أدواته وما يريده من الممثلين ومن الصورة، لكن خلال التصوير قد يدرك المخرج أن صورة معينة وضعها مسبقًا لا تنتمي للفيلم. فصناعة الفيلم عملية مستمرة من إعادة الخلق. 

وقال نصر الله "متى أكون مخرجًا؟ عندما أكتب السيناريو أنا مخرج، وعندما أكون في موقع التصوير أنا مخرج، وعندما أقرأ سيناريو لكاتب آخر أنا مخرج، وعندما أكون في صالة المونتاج أنا مخرج. عملية الإخراج لا تتوقف عند اللحظة التي نكتب فيها التصورات عن الفيلم على الورق بل هي عملية مستمرة في كل مراحل صناعة الفيلم وحتى آخر لحظة. إحساس المخرج وإدراكه لدافعه الأول من وراء صنع الفيلم يرشده خلال هذه العملية المستمرة من إعادة الخلق".

صعوبات صناعة الأفلام

وحول الصعوبات المختلفة التي يواجهها صناع الأفلام وكيفية تجاوزها أشار نصر الله إلى أنه لا توجد وصفة جاهزة أو دليل إرشادي، لكن المؤكد أن كل أنواع الصعوبات كانت موجودة طوال الوقت وتعرض لها المخرجين على مدار تاريخنا السينمائي، لكنها لم توقفهم عن صناعة أفلامهم في أي وقت. 

وقال نصر الله أن الإنتاج هو أهم التحديات التي تواجه صناع الأفلام في مصر حاليًا،  مشيرًا إلى أن السوق لا يحتمل إنتاج أفلام بميزانيات ضخمة وهو ما يفرض علينا ضرورة فتح أسواق جديدة. لكن هذه المهمة تتطلب أن تكون السينما التي نقدمها معبرة عن ثقافتنا بشكل حقيقي، وليست تلك السينما التي تخجل من ثقافتنا ومن واقعنا. 

وأشار نصر الله أن السينما التجارية الصينية واليابانية والهندية اجتاحت العالم لأنها قدمت للجمهور أفلام مدهشة نابعة من ثقافة مختلفة برغم أنها أفلام تجارية. وأضاف أنه لو نظرنا إلى تاريخ السينما المصرية سنجد أنها تمكنت من الوصول إلى قاعات السينما في أوروبا عندما كان هناك سامية جمال وعبد الحليم وفريد الأطرش وتحية كاريوكا وحسن الإمام ويوسف شاهين "كانت أفلامنا في صالات العرض في باريس عندما كانت تعبر عن ثقافتنا بدون خجل أما الآن فالسينما المصرية مكسوفة من نفسها".

وأضاف نصر الله إن ثقافتنا عامرة بحواديت الرعب، والأساطير وفنون القتال المحلية لكن أين هي من الأفلام التي ننتجها بالفعل "إبراهيم الأبيض هو الفيلم الوحيد الذي تمكن من التعبير عن الفنون القتالية المحلية لكنه هوجم بقسوة عند عرضه، صحيح أنه تحول الآن إلى أسطورة، لكنه لم يتحول أبدًا إلى نوع سينمائي. أين سينما النوع في مصر".

تاريخ طويل ليسرى نصر الله

من جهته قال الناقد السينمائي محمد سيد عبد الرحيم أن يسري نصر الله له تاريخ طويل في العمل السينمائي، كناقد، ومساعد مخرج، وكاتب سيناريو ومخرج بالإضافة إلى أنه يقدم خبراته لصناع الأفلام ليس فقط من خلال ورش التدريب، ولكن أيضًا من خلال الدعم غير المحدود الذي يقدمه لهم. "أشاهد الكثير من الأفلام الفنية المهمة لصناع أفلام مصريين في مهرجانات مختلفة ودائمًا هناك اسم يسري نصر الله في قائمة الشكر الخاص" مشيرًا إلى أن نصر الله صار عاملًا مهمًا في صناعة السينما المصرية ليس فقط من خلال مسيرته السينمائية على مدى ٣٠ عامًا ولكن بدعمه المتواصل للأفلام لتخطو تخطو خطوات مهمة في تاريخ السينما في الفترة الأخيرة.

 

مشاركة الحلول والخبرات

من جهتها قالت المخرجة ناهد نصر مؤسسة "كايرو فيلم فاكتوري" أن استضافة المخرج الكبير يسري نصر الله  والحديث عن موضوع رؤية المخرج جاء بناء على حاجة ملحة لصناع الأفلام، في مواجهة صعوبات مختلفة  تجعل الحفاظ على وتطوير رؤية المخرج تحدي دائم،  مشيرة إلى أن أحد أهداف "كايرو فيلم فاكتوري" هو مشاركة الحلول والخبرات العملية القابلة للتنفيذ بين صناع الأفلام في مختلف مراحل صناعة الفيلم، وأن سلسلة اللقاءات الشهرية التي تجمع بين صناع الأفلام المحترفين والجدد هي جزء من أنشطة كايرو فيلم فاكتوري لتحقيق هذا الهدف.

 

 

يذكر أن يسري نصر الله بدأ مسيرته الفنية عام ١٩٨٥ كمساعد مخرج في أفلام  المخرج الكبير يوسف شاهين مثل "حدوتة مصرية" و"الوداع يا بونابرت"، وكمخرج منفذ وكاتب مشارك في فيلم "إسكندرية ليه". أخرج نصر الله أول أفلامه "سرقات صيفية" عام ١٩٨٨، وهو من تأليفه وشهد عرضه العالمي الأول  في افتتاح برنامج نصف شهر المخرجين بمهرجان كان الدولي. 
في العام ١٩٩٣ ألف نصر الله وأخرج فيلم "مرسيدس" الذي حصل على الجائزة الفضية من مهرجان خريبكة للسينما الإفريقية بالمغرب، وجائزة أحسن فيلم عام ١٩٩٤ من مهرجان جمعية الفيلم العشرين، كما حصلت الفنانة يسرا على جائزة أحسن ممثلة في مهرجان واجادوجو ببوركينا فاسو، عن دورها في الفيلم. تلا ذلك فيلم "صبيان وبنات" ١٩٩٥ وهو فيلم وثائقي من تأليف وإخراج نصر الله، و"المدينة"  عام ٢٠٠٠  والذي يعد من  أوائل تجارب السينما الرقمية في مصر والذي حصل على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان لوكارنو، كما شارك في عدد من المهرجانات منها مهرجان شيكاغو وتورنتو وقرطاج.


في العام ٢٠٠٤ قدم يسري نصر الله ثنائية "باب الشمس" المقتبسة عن رواية بنفس الاسم للروائي اللبناني إلياس خوري، وتم عرض العملين معًا لأول مرة بمهرجان كان السينمائي في القسم الرسمي خارج المسابقة الرسمية، والذي احتفى به النقاد وحصل في نفس العام على وسام فارس في الثقافة والفنون وهو من أرفع الأوسمة الفرنسية.  وتم اختيار الفيلم من قبل مجلة تايم الأمريكية في قائمة أفضل عشرة أفلام عُرضت في عام ٢٠٠٤ كما حصل على المرتبة ٤٢ ضمن قائمة أفضل ١٠٠ فيلم في السينما العربية في ٢٠١٣. وأعلن مؤخرًا مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي عن ترميم الفيلم، وإعادة عرضه هذا العام  ضمن برنامجه الرسمي وذلك بعد مرور 19 عامًا على عرضه الأول.
كان فيلم "جنينة الأسماك" من إخراج نصر الله ٢٠٠٨  الفيلم العربي الوحيد المشارك في مهرجان برلين في الدورة الـ ٥٨، حيث شارك في قسم البانوراما. أخرج في العام ٢٠٠٩ فيلم "إحكي يا شهرزاد" ثم "بعد الموقعة" ٢٠١٢ الذي شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الدولي بدورته الـ ٦٥، كما عرض في مهرجان تورنتو، وفينيسيا، ومراكش. 
آخر أفلام المخرج يسري نصر الله "الماء والخضرة والوجه الحسن" ٢٠١٦ والذي شهد عرضه الأول  بمهرجان لوكارنو السينمائي الدولي. 
يعتبر نصر الله أول سينمائي مصري يتولى رئاسة لجنة تحكيم الأفلام القصيرة بمهرجان كان السينمائي الدولي، وأعلن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي تكريم نصر الله في دورته الـ ٤٥ لعام ٢٠٢٣ بمنحه جائزة الهرم الذهبي التقديرية لإنجاز العمر. كما  تولى نصر الله مؤخرًا رئاسة المهرجان القومي للسينما المصرية في دورته دورته ال٢٥ الخامسة والعشرين   لعام ٢٠٢٣.

الجريدة الرسمية