رئيس التحرير
عصام كامل

مباني وعقارات حي الزمالك.. طراز معماري فريد يخفي أسرارا وحكايات (فيديو وصور)

حي الزمالك، فيتو
حي الزمالك، فيتو

ما إن تهبط قدامك حي "الزمالك" بالقاهرة حتى يثير فضولك وسط المباني الحديثة عقارات بالغة في القدم تحيط بها من كل جانب غابة كثيفة من الأشجار حتى إن الكاميرا لن تستطيع اختراقها وكأن الزمن أراد أن يحميها بسياج من الطبيعة لتبقى شاهدة على زمن كانت مصر فيه تتغنى بالفنون كلهم بل كانت موطنا لها وأشهرها الفن المعماري، فدقت التصاميم في مباني حي "الزمالك" تشبه روعة التصاميم في مباني وسط "البلد" واتساع الشوارع في الحي يشبه براح الشوارع في وسط البلد لدرجة أنك ولوهلة قد تظن أن المخطط والمنفذ واحد. 

"فيتو" تستعرض كيف تحول حي الزمالك إلى مسكن للمشاهير وقصص مبانيه التي تعتبر تحفا معمارية بذاتها "أسرارها" وما حدث بداخلها منذ أكثر من مائة عام.

"كوابيس محمد علي" هي من جعلت حي الزمالك مسكن المشاهير والنخبة

الزمالك هي كلمة تركية ذات أصول منغولية تعني" العشش" أو البيوت الخشبية، حيث كانت المنطقة في الأصل نقطة لانطلاق الصيادين الذين يضعون أدواتهم في تلك العشش، وفي القرن الخامس عشر ظهرت جزيرتان منفصلتان مكان جزيرة الزمالك الحالية وفي وقت الحملة الفرنسية ظهرت جزيرة ثالثة بالقرب منهما،وأصبحت الجزر الثلاثة تعرف بجزر "عازار" و"بولاق الكبيرة"و "مصطفى اجوا" أو ما سيعرف لاحقًا بمصطفى أغا، ثم اتصلت هذه الجزر بعضها ببعض لتكون جزيرة" بولاق" بحسب كتاب "جزيرة الزمالك القيمة والتراث" الصادر عن سلسلة "ذاكرة المدينة" فإن محمد علي باشا سنة 1830 أمر ببناء قصر كبير له بين المزارع في الجهة الشمالية من أرض جزيرة الزمالك "الحالية" للنزهة بناء على نصيحة من طبيبه الخاص كعلاج بيئي للشفاء من نوبة كوابيس ألمت بوالي مصر وكان بسببها لا يستطيع النوم سبيلًا،لتبدأ بعدها رحلة رجاله والمقربين منه وطبقة التجار والأعيان في الانتقال إلى الجزيرة وبناء قصورهم الشاهقة وبيوتهم الفخمة فالكل لن يجد أفضل من المكان الذي انتقل إليه حاكم مصر واختاره مكانًا للنزهة. 

عشق للفن أم ثراء فاحش

تشبه مباني حي "الزمالك" إلى حد كبير مباني وسط " البلد"  حيث إنها تجمع ما بين الفن الباروكي والقوطي والفن الإيطالي والفرنسي والنمساوي،ولكن وجه الاختلافات هو أن مبان وسط البلد الفخمة وميادينها الممتدة وشوارعها الواسعة أنشأت بناء على رغبة الخديوي إسماعيل والذي أعطي التمويل اللازم لإنشاء ما يسمى "القاهرة الخديوية".

وكانت وسط البلد جزءًا منها أما مباني وميادين حي الزمالك فأنشأت بناء على مجهود ذاتي من أعيان وتجار كانو يسكنون حي الزمالك بالماضي،الأمر الذي يطرح هل كان ذلك حبا بالفن الأوربي وروعته أم مجرد وسيلة لإظهار الثراء والبذخ، يجيب الدكتور عزمي يعقوب في كتابة "تاريخ الفن الأوربي في مصر" الصادر عن دار الراية للنشر: بأن أحد العوامل التي ساهمت في دخول الفنون الأوروبية في مصر بمجال العمارة كالفن القوطي والباروكي و" الآرت ديكو" بجانب مشروع "القاهرة الخديوية" كان طبقة الأثرياء في مصر والذي أرادوا إظهار ثراء مالي في شكل ثراء ثقافي عن طريق تقليد النمط الأوروبي في العمارة للدلالة على رقيهم الفني والاجتماعي ضاربًا مثلًا بذلك "حي الزمالك وما به من مبان غاية في الرقي هو أحد عوامل التقاء المال بالفن ولا معيب في ذلك". 

عقارات الزمالك وأسرارها

ما أن تصعد سلم الخروج لمحطة"صفاء حجازي" حتى تصطدم ببناية عتيقة غارقة في القدم تدعي "عمارة الشربتلي" ويرجع تسميتها بذلك نسبة ل " حسن عباس الشربتلي" عميد عائلة الشربتلي المشهورة،مبنى ضخم يضم 33 وحدة سكنية كان يسكنها جميعًا مشاهير الفن والأدب ك"محمود المليجي زوجته علوية جميل، نجاة الصغيرة، أبو السعود الإبياري، ثروت أباظة، عز الدين ذو الفقار وزوجته علوية شفيق". 

في تلك العمارة تم اكتشاف الفنان حمدي أحمد وتقديمه للشاشة على يد الفنان محمود المليجي والذي كان يتردد على العمارة طلبا لملاقاة المليجي،فكان حارس العقار يتعذر له الحجج ليمنعه من الصعود فما كان من حمدي أحمد إلا أن صرخ بأعلى صوته كي يسمعه السكان جميعهم بما فيهم المليجي " يا أستاذ محمود، أنا جايلك يا فنان يا كبير عايز أقابلك يا فنان" فنظر المليجي من شرفته وأذن للحارس أن يرافقه حتى باب الشقة.

في تلك العمارة نفسها تم الزواج سرا بين الفنانة سناء يونس ومحمود المليجي قبل أن تكتشف زوجته علوية شفيق والتي كانت في رحلة علاج بالخارج أمر الزواج لتجبره على طلاقها، وتعاني العمارة الآن حالة تصدع وهبوط أرضي بسبب أعمال الحفر التي كانت تجري بمشروع مترو الأنفاق ولكن أساسها القوي جعلها تتحمل.

 

شارع ابو الفدا بالزمالك

عند المرور بداخل شارع أبو الفدا ستجد لوحة لمبنى غاية في الأناقة والتصميم مكتوب عليها" كلية الفنون الموسيقية" هذا المبنى والذي تحول الآن إلى ملكية تابعة لجامعة" حلوان" يرجع تاريخه إلى 1920 حيث قام بناؤه الملك فؤاد على شرف ولادة ابنته الأميرة فوزية ليكون لها مكان للنزهة والاستجمام وهو الأمر الذي حدث بالفعل حيث داومت الأميرة وأمها "الملكة نازلي" على جعله مكانًا لقضاء العطلات والتنزهة قبل أن تبيعه الأميرة الصغيرة بأمر من أمها لأحمد باشا حسنين والذي عاش فيه حتى مقتله سنة 1946 ويحكى أن هذا القصر كان الملتقى الخاص للملكة نازلي بأحمد حسنين، كما أنه كان المكان "الأمن" لتنظيم" الحرس الحديدي" والذي إنشاؤه الملك فاروق للتخلص من أعدائه السياسيين بعد أن إهداء الملك القصر للسيدة ناهد رشاد وصيفة القصر وزوجة الطبيب الملكي يوسف رشاد.

عند المرور بشارع أحمد حشمت ستجد مبنى ذو طراز معماري غاية في الروعة يجمع ما بين الفن الباروكي والقوطي معا، هذا المبنى والذي تحيط به هالة كثيفة من التراب وتلتف حوله غابة من الأشجار والذي يرجع تاريخه لسنة 1908 والذي صممه المهندس الفرنسي السويسري " شارل إدوار جانيرية" ليكن شبيها بالنمط المعماري في مارسيليا ولا يعرف لمن يرجع أمر بنائه،كان موطنًا لكثير من مشاهير الفن والسياسة وأشهرهم عزيز علي المصري أو ما يعرف في كتب التاريخ ب"عزيز المصري" حيث كان يتخذه كصالون ثقافي للالتقاء برواد الحركة القومية من كافة الدول العربية ويقال إن الرئيس الراحل أنور السادات كأن إحدى هؤلاء الضيوف في الفترة التي جرى فيها فصله عن الجيش وكان يعد للعودة إليه ثانيا، في سنة 1948 يباع القصر إلى ضابط مصري ذي أصول جورجية يدعى سعيد بغدادي أباظة وهو أب الفنان رشدي أباظة، والذي كان يتردد عليه الأخير بشكل متقطع بين الفينة والفينة وقد حملت زوجته"باربرا الأمريكية" بابنته الوحيدة"قسمت" بداخل ذلك القصر.


في الشارع نفسه ستجد مبنيًا لا يقل جمالًا عن سابقه يتكون من ستة طوابق تم بناؤه على النمط المجري وترجع ملكيته للفنانة تحية كاريوكا،وتم بيعه فيما بعد الرأسمالي مصري "رجل أعمال" في فترة الستينات "دعني انتح بك جانبًا لأخبرك بسر،لا يعرفه الكثير..احترس! لا ترفع صوتك!؟ وأشار بكلتا يديه إلى المبنى وقال" في هذا المبنى كانت امرأة خمسينية تأتي بالشباب إلى شقتها، وفي يوم أربعاء مشؤوم عثروا عليها مقتوله".

عمارات شارع 26 يوليو 

وعند الولوج بشارع ال26 يوليو ستجد مبنى مهبب ليس بوسعك إلا أن تقف أمامه احتراما فهو مكون من 5 طوابق ويحمل الرقم 118 ومصمم على طريقة ال"آرت ديكو" ويجمع في لمساته الجانبية شي من الفن الإيطالي والباروكي فتشعر وكأنه مزيج من فنون تراكمت عبر قرون لتنتهي بتلك التحفة المعمارية الغاية في الروعة، يقول حارس العقار: أن هذا المبنى توافد عليه الكثير من مشاهير الفن وكرة القدم والذين اتخذوه مسكنا لهم وأبرزهم " هند رستم،شكري سرحان، عادل هيكل،محمود أبو رجيلة وغيرهم، ويضيف" العمارة دي سكنها البشوات والبهوات من زمان" ويقال إن نادي الزمالك قام باسترضاء لاعبه الجديد محمود أبو رجيلة بشراء شقة له في تلك العمارة ليستقر بها بعد اكتشافه من قبل كشاف نادي الزمالك كابتن" جندي".

لن تمضي بضع خطوات من الشارع نفسه حتى تكون أمام فيلا تحمل لافتة نحاسية يشع بريقها من أشعة الشمس التي تتسرب إليها الرقم 138 والمعروفة بفيلا"إسماعيل ياسين" وذلك لأن ملكيتها ترجع إلى الفنان الراحل إسماعيل ياسين أو "سمعة " كما كان يحب مناداته وهي مبنى ضخم بثلاثة جوانب في كل جانب ثلاثة طوابق،ولا يعرف بالضبط من صممها ولأي تصميم ترجع ولكنها أقرب إلى نمط الفن المعماري السوفيتي والذي كان منتشرًا في تلك الحقبة يبدو ذلك من خلال هيكلها الخارجي وكأنها مصممة خصيصًا لتحمل درجات الحرارة الباردة والثلوج شديدة السقوط تمامًا كمبانى سيبيريا.

 

فيلم إسماعيل ياسين في البوليس الحربي

ويقال إن بداخل العمارة تم تصوير أغلب مشاهد فيلم"إسماعيل ياسين في البوليس الحربي" وفيلم" عريس مراتي" هنا عاش الفنان إسماعيل ياسين عبارة قد تخطف قلب كل من يمر بجانب تلك اللافتة،لتجول الأعين على المبنى والذي رغم حداثة أجزائه إلا أن الماضي يفيض من بين جانبية.

فيلا اسماعيل ياسين 

ما أن تدخل العمارة حتى تصطدم بامرأة عجوز تجلس على كرسي بمدخل المبنى اسمها الحاجة" فوزية" ما أن سألتها" هي دي فيلا إسماعيل ياسين صح؟" حتى فاض الدمع من عينيها ووضعت يدها على رأسها في مشهد جنائزي وكأنها تحاول ألا تتذكر عهودًا لا تود تذكرها وأشارت بيدها إلى شقة بالدور الأرضي " كان ساكنًا هنا " ثم رفعت أنظارها للأعلى وأشارت بيدها الأخرى" وهنا كان ساكن عبدالسلام النابلسي " ثم انخفضت اليد للطابق الثاني" وهنا كان ساكن زينات صدقي وساعات كان بيجي عبد الفتاح القصري والأستاذ كان بيديه شقة ينام فيها أسبوع ولا اثنين".

وتقول الحاجة فوزية: أن في السنوات الأخيرة من حياة إسماعيل ياسين مر بضائقة مالية كان على دفعته أن يأجر العمارة لأجانب وعرب الاسبوع والاثنين لتوفير نفقات علاجه 

وتضيف " العمارة مكنتش كدا كانت أجمل بكتير كنت تشوفها من بعيد تقول دي في بلاد برا بس الزمن والناس مبيرحموش أي حاجة جميلة".

كانت هذه بعض القصص التي استطعنا أو وفقنا في الحصول عليها عن مباني حي الزمالك تلك الصروح التي تشهد على عظمة الفن الأوربي في مصر وذوق الإنسان المصري قديما.

الفن الأوربي في مصر 

في تصريح له " فيتو" يقول الدكتور محرم زهران أستاذ الهندسة المعمارية جامعة الإسكندرية: أن الفن الأوربي في مصر يعكس نمط الإنسان المصري وذوقه الراقي ومدى تأثره بالثقافات المختلفة ومدي استجابته لها على المدى السريع وهي ظاهرة طيبة علي عكس شعوب أخرى تجد صعوبة في تقبل فنون الآخرين وثقافتهم.

 

واضاف " المباني المصرية المصممة على النمط الغربي وتحديدًا الفرنسي الإيطالي والمنتشرة في مناطق وسط"البلد " والزمالك" تستحق مجهودات الدولة للحفاظ عليها من تآكل الزمن لتبقى شاهدا على أن غاية في الرقي والأبهة ".

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية