رئيس التحرير
عصام كامل

بين العقاد وشكوكو ومحمد صبحي!

بكاء الفنان محمد صبحي لما وصل إليه حال الفن.. صرخة حارقة ترفض الإسفاف والتفاهة لكنها على أهميتها ربما جاءت متأخرة؛ فالتفاهة باتت عنوانًا عريضًا لكثير من الأعمال الفنية والدرامية منذ زمن، فأين ما تعرضه الشاشات مثلًا من الأعمال العظيمة للراحل الكبير أسامة أنور عكاشة؛ ذلك الكاتب الملتزم برسالة الفن وقضايا المجتمع وأولوياته وهمومه، الكاره للانحراف والإسفاف وإلهاء الناس أو الجمهور بسفاسف الأمور التي تكرس للسطحية والإفلاس الفكري والثقافي.


محمد صبحى قال في تصريحات تليفزيونية: «أنا حزين ولا أتسول، أنا بشتغل وبكسب.. بشتغل لوحدي وحاسس إني في سجن كبير وللأسف أنا مظلوم إني مسجون في زنزانة انفرادي».

تراجع الفن الهادف


أضاف الفنان الكبير "إنه خلال كل العقود بداية من عشرينيات القرن الماضي كانت هناك أعمال توصف بأنها إسفاف لكنها لم تكن السائدة".. وتلك ولا شك رسالة مبطنة بأن السائد الآن من الأعمال الفنية هو ما غلب عليه الإسفاف والسطحية وقلة القيمة.


تراجع الفن ليس وليد اللحظة وليس الفن وحده من يشكو الإسفاف والتفاهة؛ فتلك آفة زحفت وأصابت مجالات كثيرة حتى أنه لم يسلم منها شيء، فشتان بين زمان حفل بالقمم والهمم العالية في الثقافة والأدب والعلوم، وزمن عنوانه أغاني المهرجانات وبرامج المقالب والنفاق والتريند الذي يمتطيه كل من هبّ ودبّ..

وكلما كان التريند تافهًا وفارغًا من الجدة والالتزام شاع وانتشر كالنار في الهشيم وحصد أعلى المشاهدات والتفاعلات على السوشيال ميديا التي باتت بابًا واسعًا لضرب القيم واختراق الخصوصيات.

العقاد وشكوكو


ولا أظنك عزيزي القاريء في حاجة لدليل على ذلك.. وأحيلك إلى حكاية قديمة عمرها أكثر من 70 عامًا حين حدثت مشادة غريبة بين محمود شكوكو وبين أهم أدباء القرن الماضي عباس محمود العقاد، بدأت الحكاية عندما سأل أحد الصحفيين العقاد سؤالًا "من منكما أكثر شهرة، أنت أم محمود ﺷﻜﻮﻛو؟، وقتها رد العقاد باستغراب قائلًا: مين شكوكو؟، وعندما وصلت القصة لـ شكوكو عن طريق الصحفي ذاته، قال له شكوكو: "قول لصاحبك العقاد ينزل ميدان التحرير ويقف على أحد الأرصفة وسأقف على رصيف مقابل ونشوف الناس هتتجمع على مين".


فما كان من العقاد إلا أن ردَّ على الصحفي قائلًا: قول لشكوكو ينزل ميدان التحرير ويقف على رصيف ويخلي "رقاصة" تقف على الرصيف التاني ويشوف الناس هتتلم على مين أكثر، عبارة العقاد هذه برغم قسوتها كانت تحمل رسالة بليغة عن المستوى العلمي والعمق الشخصي الشعبي العام، مفادها أن القيمة لا تُقاس بالجماهيرية أو بالشهرة خلافًا لما يعتقده الناس في زماننا!


الفارق بين العقاد وأدباء اليوم.. وشكوكو وفناني اليوم هو نفسه الفارق بين زماننا بكل عيوبه وبين ذلك الزمن الجميل..وهو فارق لو تعلمون عظيم!


نعود إلى الفنان محمد صبحي الذي قال أيضًا «أنا طلبت حد معني من الجمهور أو الدولة يضع قائمة بكل عباقرة مصر من أول القرن الماضي حتى اليوم»، معقبا: «والله العظيم هنتكسف».
 

وطالب بضرورة وجود وزير إعلام له سياسة إعلامية وليس هيئات، موضحا: «مش لازم القنوات تجري على التريندات والتفاهات»، مؤكدا: «أنا مهموم بالثقافة والفن على أنها معول ممكن أن يبني أو يهدم».. فهل وصلت رسالة صبحي.. وماذا نحن فاعلون؟!

الجريدة الرسمية