رئيس التحرير
عصام كامل

لقائي ببليغ حمدي في محبسه بباريس (1)

الأمير عبد الله الفيصل كان شاعرا عملاقا مبدعا تسابق كبار المطربين والمطربات على التغني بأشعاره، وفي مقدمتهم كوكب الشرق أم كلثوم التي غنت له قصيدتين هما ثورة الشك.. ومن اجل عينيك، كما غني له عبد الحليم حافظ قصيدتين أيضا هما سمراء يا حلم الطفولة.. ويا مالكا قلبي..

 
اعترف بأن الأمير عبدالله الفيصل رحمه الله كان صاحب فضل؛ فقد خصني بعمل حوارات صحفية لمجلتي (أخر ساعة) في بدايات عملي بالصحافة في حين كان يرفض عمل حوارات مع غيري الأكثر مني خبرة وسنا، وكان يعاملني مثل ابنائه تماما، ووثق بي كثيرا حتي أنني كنت أرافقه شخصيا في رحلات خارج المملكة السعودية، وكان يصدر لمدير مكتبه الشيخ يوسف عبد الشكور شفاه الله أوامره بأن جميع رحلاتي لعمل عمرة بالسعودية أكون ضيفا عليه!


وفي يناير عام 1985 رافقته في رحلة إلي باريس لاستلامه أعلي وسام فرنسي لا يمنح عادة إلا للملوك والرؤساء والشخصيات الهامة؛ وكانت المناسبة أن باحثة سعودية إسمها دكتورة منيرة العجلاني كانت تعد رسالة دكتوراه في السربون عنوانها: عبد الله الفيصل.. حياته وشعره.

 

وبعد الحصول عليها قرر جاك شيراك عمدة باريس وقتها والذي اصبح فيما بعد رئيسا للجمهورية منح الأمير عبدالله الفيصل وسام باريس وأقام له احتفالا عظيما في بلدية باريس شارك فيه نجوم المجتمع الفرنسي والعربي تكريما لهذا الشاعر العالمي الأمير عبدالله الفيصل الذي ترجمت اعماله ودواوينه إلي الكثير من لغات العالم ومنها الفرنسية والانجليزية والروسية وغيرها..

اللقاء مع بليغ حمدى


المهم.. مكتب الأمير عبدالله الفيصل حجز لي وللمرافقين في فندق عريق خطوات من الشانزلزيه إسمه جورج  الخامس، بينما نزل الأمير في بيته بالحي الارستقراطي الهاديء (كيدورسيه)، وكنا طوال فترة اقامتنا بباريس نتناول معه العشاء يوميا أكل شرقي صميم يعده طباخه الماهر!


اصطحبني موظف من الاستقبال الي غرفتي بالطابق الخامس، وكان باب الغرفة المجاورة مفتوحا ويتوسط اثاثها كرسيا مريحا (تشيز لونج) يجلس عليها رجلا ممددا عليه وهو يحتسي فنجانا من القهوة، وعلي نفس المنضدة القريبة منه بعض المرطبات، ولا أدري حتي الآن سر تركه باب غرفته مفتوحا!


تأملت وجه جاري الفاتح لغرفته من باب الفضول والقيت عليه سلامي؛ فرد السلام قائلا: أنا جاهز؛ فدخلت غرفتي وتركت شنطة سفري وعدت إليه مرة اخري معتقدا أن في الأمر بعض من اللبس والغموض.. يعني إيه هوه جاهز!


وجدت نفسي وجها لوجه أمام قامة فنية كبيرة يعرفها القاصي والداني ولا يجهلها أحدا.. أنا أمام الموسقار العظيم بليغ حمدي، فكررت السلام مرة أخري  فرد عليه بنفس عبارته الاولي: أنا جاهز، رددت عليه: جاهز إيه يا أستاذ بليغ؟


رد بادب وتهذيب: أنا عارف أساليب البوليس.. إذا كنت قد حضرت من القاهرة لتنفيذ الحكم فأنا جاهز.. اتركني ساعة واحدة لتجهيز شنطتي ونغادر الفندق بلا شوشرة!


ابتسمت بأسي، وحتي لا أترك العنان لخياله وحيرته حسمت الأمر واخرجت من جيب سترتي جواز سفري اطلعته عليه، وشرحت له سبب مهمتي وهي قدومي مرافقا للأمير عبدالله الفيصل لتغطية احتفال تسليمه أعلي وسام فرنسي من جاك شيراك!

 

فانسابت الدموع من عينيه، وأخذ يشرح لي معاناته في الغربة، وشعوره بالأسي والحزن عندما تخلي عنه الجميع، باستثناء شخصية عربية وهو أمير وشاعر أيضا وصديقه المقرب كان يسدد له تكاليف الفندق، كما أكد براءته من جريمة لم يرتكبها.. ما هو ذنبه في العثور علي مغنية مغربية (سميرة مليان) منتحرة أسفل شرفة منزله: حتي ولو كانت عندي ضيفة ضمن عشرات الضيوف الموجودين بمنزلي، وانتحرت لاي سبب يخصها.. هل انا الذي قتلتها؟

 


في نفس الليلة شرحت الصدفة والموقف برمته للأمير عبدالله الفيصل فرد قائلا: عندكم مثل في مصر بيقول: ياما في السجن مظاليم.. ومع ذلك الله وحده عليما بالتفاصيل.. وبعد حوالي 4 سنوات علي تلك الواقعة تمت تبرئته قضائيا!

نكمل في المقال القادم

الجريدة الرسمية