رئيس التحرير
عصام كامل

أين زعيم فاجنر؟!

اخترع مصطفى أمين إعلانا لترويج مجلة الهلال يسأل: أين حسن؟.. أما الإجابة فهى: ذهب يبحث عن الهلال!.. تذكرت هذا الإعلان بمناسبة الحديث الدائر الآن عن مكان تواجد زعيم فاجنر، بعد أن أعلن رئيس بيلاروسيا أنه ليس موجودا في بلاده ، كما قيل في أعقاب الاتفاق الذى أنهى تمرده على موسكو وسحب قواته من الاراضى الروسية، وإعادة نشرها في الأراضى الأوكرانية التى يسيطر عليها الروس  حاليا، أى في إقليم الدونباس!


وبالطبع زعيم فاجنر لم يذهب للبحث عن الهلال أو أى مطبوعة أخرى، وهو قائد منظمة مسلحة عملها هو القتال.. وهنا يلف الأمر غموض كبير.. هذا الغموض أحيا من جديد التكهنات التى ترددت من قبل، والتى يرى أصحابها أن تمرد فاجنر كان مسرحية روسية مخططة من قبل الرئيس الروسى مع صديقه السابق زعيم فاجنر بمشاركة رئيس بيلاروسيا..

 

وهم يستندون فى استنتاجهم ذلك إلى أن التمرد تم إنهاؤه خلال يوم واحد، وضع الغرب فيه يده على قلبه خوفا من حدوث صراع روسى يهدد بوقوع الأسلحة النووية لها في أيدى مغامرين.

 
ورغم أنه في التحليل السياسى لا يستبعد أية احتمالات حتى ولو كانت ضئيلة، إلا أن حديث المسرحية يثير من جانبه سؤالا مهما وهو ماذا كسبت روسيا وبوتين شخصيا من هذه المسرحية أساسا إذا افترضنا أنها كذلك؟!

 

المتابع للحرب الأوكرانية لا يرصد أية مكاسب، فهو لم يعطل الهجوم المضاد للقوات الأوكرانية، فهو بدأ قبل التمرد بحوالي أسبوعين ولاقى في بدايته فشلا ذريعا.. أى إن روسيا كانت في موقف عسكرى طيب إلى حد ما.. أى إنها لم تكن في حاجة لمسرحية تعينها في تلكَ الحرب.

 غموض زعيم فاجنر


كما أن تمرد فاجنر لم يفد روسيا في تضليل الغرب بأن روسيا باتت بسببه في موقف ضعيف، ولذلك يمكنه أن يمسك يده عن مساعدة أوكرانيا بالأسلحة.. فإن التمرد لم يستمر سوى ساعات قليلة وتم الإعلان عن انتهائه وعاد زعيم التمرد ليعلن دعمه للرئيس الروسى الذى قال في بداية التمرد إنه سوف يتغير.. بل والأكثر أن زعيم فاجنر بشر الشعب الروسى بانتصارات عسكرية جديدة، تحرزها قواته في حرب أوكرانيا.

 
وهكذا يصعب الإمساك بأية مكاسب حققها لروسيا هذا التمرد الذى انتهى سريعا، حتى نتأكد أنه كان بمثابة مسرحية متفق عليها وخرجت بها موسكو على العالم كله.. بل على العكس  صورة بوتين كزعيم قوى يمسك بكل الأمور ويسيطر على نظام الحكم في بلاده بكل مؤسساته اهتزت وتضررت..

 

خاصة وأنه تراجع عن تهديداته بسحق المتمردين ومحاكمة زعيمهم، وتحدث بعد إنهاء التمرد عن أعمال بطولية قامت بها قوات فاجنر لخدمة روسيا، كما أنه احتاج لمساعدة من رئيس بيلاروسيا للتفاوض مع زعيم التمرد، واحتاج للدفاع عن موسكو لقوات الشيشان لمساعدة القوات المسلحة الروسية التي حفرت بالفعل خنادق حول العاصمة الروسية لمنع تقدم قوات فاجنر.

 
لكن هذا لا يعنى أن أسرار هذا التمرد وإنهائه سريعا قد تم الكشف عنها كلها، هناك أسرار لم نعرفها بعد، مثل ترك قوات فاجنر تتحرك صوب موسكو حتى باتت تبعد عنها بمسافة مساوية تقريبا للمسافة بين القاهرة والإسكندرية، ومثل مرور مقتل طيارين روس من قبل قوات فاجنر.. 

 

ومثل أيضا التراجع المثير لزعيم فاجنر بعد محادثة رئيس بيلاروسيا له، ومثل التوديع الودى للروس له، وهو يغادر إحدى المدن الروسية متجها إلى بيلاروسيا من قبل، ومثل كذلك وضع قوات فاجنر الآن داخل روسيا وخارجها وما تقوم به حاليا في الحرب الأوكرانية.

 
وعندما تتكشف هذه الأسرار مستقبلا سيكون المحللون قادرين على التقييم السليم لهذا التمرد، وهل هو حقيقى أم كان  مسرحية.. وإذا كان مسرحية ماذا كانت أهدافها ومن كسب منها.. رئيس روسيا أم زعيم فاجنر؟!

  
وإذا كان رئيس بيلاروسيا أعلن أن زعيم فاجن لا يوجد في بلاده، وإنما يوجد ربما في مدينة سان بطرس برج أو موسكو، فإن هذا الكلام يزيد الأمر غموضا، في ظل الصور التى أذاعها التليفزيون الروسى عن مداهمة الأمن الروسى بيت زعيم فاجنر في مدينة سان بطرسبرج، ويزيد  الغموض أكثر ذلك الحديث الذى تردد مؤخرا عن إعادة التفاوض مجددا بين زعيم فاجنر والسلطات الروسية حول الاتفاق السابق لإنهاء التمرد.

 


وهذا الغموض لا يسمح حاليا إلا بالقول بأن ثمة صراعا مازال دائرا على السلطة، منع احتواء التمرد تحوله إلى اقتتال داخلى، لكنه لم ينه هذا الصراع.  

الجريدة الرسمية