رئيس التحرير
عصام كامل

حتى الأضحية بقت أون لاين!

لم يشرع الله شعيرة أوعبادة إلا ولها مغزاها.. والأضحية لها مغزاها الدينى والاجتماعى والإنسانى عندما شرعت، ويأتى الفقه ليفسر ويوجه وعليه أن يواكب تطورات العصر.. في الماضى كانت الأضحية للأهل والجيران وفقراء الحى، حتى وصل الأمر لزيادة أعداد الأضاحي وخاصة مع الإعداد المتزايدة من حجاج البيت الحرام، ولصعوبه الأمر وسبل المواجهة، أصبح على كل حاج أن يوكل هيئة أو شركة بالذبح نيابة عنه بشراء صك الأضحية. 

 

لأنه لا يعقل أن يقوم أكثر من 2 مليون حاج بالذبح بأنفسهم في مكان واحد، لذلك تم توفير أماكن مناسبة لذبح هذه الملايين من الأضاحي بعد سداد ثمنها من الصكوك التى اشتراها الحجاج، وأنشئت المجازر الكبرى ومصانع تغليف وتبريد هذه الكميات الضخمة حتى يتم توزيعها على فقراء المسلمين في العديد من دول العالم، ويتكلف الأمر الكثير من الوقت والجهد.

 

وإذا كان الأمر مناسبا للمملكة وقت الحج فماذا عن بقية الدول التى تزيد كميات لحوم أضاحيها عن حاجه الفقراء فيها ولا تملك مثل هذه المجازر الضخمة وملحقاتها من الثلاجات الضخمة ومصانع لتقطيع وتغليف وتعبئة هذه اللحوم، بالإضافة إلى فارق الأسعار بين وجود هذه الخراف في موطنها عن أماكن تصديرها.

أضحية أون لاين


لذلك صدرت فتاوى هنا وهناك وعلى سبيل المثال في الكويت تبيح جواز قيام الجمعيات الخيرية بجمع  قيمة الأضحية نقدا من الراغبين والقيام بذبح الأضحية في بعض الدول الأفريقية حيث الثمن هناك أرخص، واستخدام الفارق بين الثمنين للإنفاق على طلبة العلم الفقراء والأيتام ولنشر الدعوة الإسلامية، وينطبق الأمر فى في بعض مناطق العالم التي تكثر فيها المجاعات لتوزيعها على المحتاجين من المسلمين هناك.

 
يعنى جواز وإباحة ذبح الأضحية فى بلد آخر ولو كان المضحي مقيما في بلد آخر بعد الحصول على توكيل منه، لأن قيام المضحي نفسه بذبح أضحيته أو شهودها إنما على سبيل الاستحباب، وفي هذه الحالة يرجح ترك الاستحباب لأداء واجب التكافل بين المسلمين، خاصة إذا كان المنتفعون من الأضاحي في حالة مجاعة وتعرض لأخطار شديدة.


تتبعت الأمر في الظاهرة الجديدة التى بدأت في مصر في السنوات الأخيرة وانتشرت هذا العام بعد قيام بعض الافراد وبعض الجمعيات الخيرية بجمع قيمه الأضحية نقدا من الراغبين، ثم توكيل آخرين للقيام بالذبح والأضحية بالنيابة عنهم في بعض الدول الافريقيه مثل تشاد ومالاوى.. ألخ وبعض بلاد شرق أسيا مثل إندونيسيا.

 
ولم يكن السبب أنساني نبيل ولكن السبب الحقيقى يعود إلى ارتفاع أسعار الخراف والأبقار بشكل جنونى في مصر.. وتستمر العملية بعد جمع النقود بإرسالها  للخارج ويتم الشراء ويتم تصوير فيديو لمن يقوم بعمليه الذبح هناك  لكل عملية ذبح وومعه تسجيل صوتى بلغة عربية مكسرة تفيد الذبح باسم الله وعن فلان الفلانى (اسم صاحب الأضحية) ويتم إرسال الفيديو على إيميل صاحب الأضحية.

 
يعنى حتى الأضحية بقت أون لاين! والسؤال هل يجوز ذلك وفى ظل ازدياد من يحتاجون للحوم الأضاحى فى مصر الآن؟ نعم مصر تضحى من أجل الآخرين والبعد الإنسانى غالب على سياستها الخارجية، وتستمد هذه السياسة من مشاعر المصريين لكن في ظل ظروفنا الاقتصادية وأزمة الدولار وحاجة أهالينا أنفسهم لمثل هذه الأضحية هل يجوز ذلك؟!


نعم قد يصح ذلك في الدول ذات الكثافة السكانية الضخمة أو الدول الغنية أو أصحاب الوضعية الخاصة بالحج لكن هل يجوز ذلك فى الدول ذات الكثافة السكانية الضخمة من جهة ووجود الكثير ممن يحتاجون لهذه الأضحية في ظل ارتفاع الأسعار والأزمات الاقتصادية التى يعانى منها الجميع من جهة وأثر ذلك على الروابط الاجتماعية وأواصر الود والرحمة التى ترسخها عملية الأضحية من جهة ثانية.

 

رأى الفقهاء الأربعة

بداية ما رأى الفقهاء الأربعة عن التضحية خارج البلد! طبعا ظهر خلاف بين أهل العلم وهذا أمر وارد ومستحب، فقال الحنفية: يكره نقلها كالزكاة من بلد إلى بلد، إلا أن ينقلها إلى قرابته، أو إلى قوم هم أحوج إليها من أهل بلده، ولو نقل إلى غيرهم: أجزأه مع الكراهة.


وقال المالكية: ولا يجوز نقلها إلى مسافة قصر فأكثر، إلا أن يكون أهل ذلك الموضع أشد حاجة من أهل محل الوجوب، فيجب نقل الأكثر لهم، وتفرقة الأقل على أهله. وقال الحنابلة والشافعية كالمالكية: يجوز نقلها لأقل من مسافة القصر، من البلد الذي فيه المال، ويحرم نقلها كالزكاة إلى مسافة القصر وتجزئه..". 
 ومسافة القصر عند أبو حنيفة 24 فرسخًا، وعند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة 16 فرسخًا، والفرسخ يساوي خمسة كيلو مترًا وأربعين مترًا.. يعنى المتوسط حوالى 80 كيلو متر عند جمهور الفقهاء وهذه المسافة التى لا يجوز فيها اخراج الزكاة أبعد عنها إلا إذا كانت للأهل أو الاقارب!


في النهاية أعتقد أن الجار أولى بالشفعة كما يقول المثل الشعبى، يعنى الفقراء والأهل عندنا هم الأولى، والزيادة نتوجه بها إلى الفقراء خارج مصر، وهذا لا يتم إلا بحصار مافيا اللحوم في مصر لأنهم تسببوا بجشعهم في خروج الخير من أهل الخير عندنا من متوسطى الدخل إلى خارج مصر وهذا وزر لو تعلمون عظيم!
yousrielsaid@yahoo.com

الجريدة الرسمية