رئيس التحرير
عصام كامل

أبو الزهراء يكافئ مادحيه (الأخيرة)

كثير من الشعراء مدح رسول الإسلام، مثل: كعب بن زهير وحسان بن ثابت والإمام الشافعي.. وكتب سيدنا علي، كرم الله وجهه، شعرا جميلا في كتابه الأشهر نهج البلاغة، وكانت كل هذه الأشعار رسائل حب، ولكن أحمد شوقي تناول فكر الرسول ومواقفه وحياته من خلال منظور إسلامى واسع.. إنه لم يمدح شخصا فقط ولكنه مدح الشخص والعقيدة والفكر والسلوك.. بل إن شوقي توقف كثيرا عند صفات الرسول وأخلاقه.

 

ومن حسن حظ أحمد شوقي أن اجتمع صوت عبقري ولحن خالد؛ لتكون كلمات شوقي أعظم وأجمل ما قيل من الشعر في رسول الإسلام، صلى الله عليه وآله وسلم:

 

يا مَن لَهُ الأَخلاقُ ما تَهوى العُلا           مِـنـهـا وَمـا يَـتَعَشَّقُ الكُبَراءُ

لَـو لَـم تُـقِـم دينًا لَقامَت وَحدَها              دينـًا تُـضـيءُ بِـنـورِهِ الآناءُ

زانَـتـكَ فى الخُلُقِ العَظيمِ شَمائِلٌ            يُـغـرى بِـهِـنَّ وَيولَعُ الكُرَماءُ

 

أَمّـا الـجَمالُ فَأَنتَ شَمسُ سَمائِهِ           وَمَـلاحَـةُ الـصِـدّيقِ مِنكَ أَياءُ

وَالـحُـسنُ مِن كَرَمِ الوُجوهِ وَخَيرُهُ        مـا أوتِـيَ الـقُـوّادُ وَالـزُعَماءُ

 

لما مرض أحمد شوقي مرضه الأخير الذي لقي فيه ربه دخل عليه ذات صباح خادمه الخاص، وقال له: إن هناك رجلا ينتظرك بالخارج ويقول إن اسمه محمد الأحمدي الظواهري، فهب شوقي من فراشه مسرعا، وهو يقول إنه شيخ الأزهر..

 

خرج إليه وهو يقول: مرحبا بالإمام الأكبر، فلما جلسا قال الشيخ الظواهري لأحمد شوقي: لقد جئتك مأمورا من رسول الله، صلى اللَّهُ عليهِ وآلهِ وصحبهِ وسلم.. لقد زارني الليلة الماضية في المنام وأمرني أن أخبرك أنه، صلى اللَّهُ عليهِ وآلهِ وصحبهِ وسلم، في انتظارك.

 

بكى أحمد شوقي من شدة الفرح بهذه البشارة، ولم يمض على هذا اللقاء إلا أيام يسيرة، وانتقل أمير الشعراء أحمد شوقي جوار ربه. ويقول الشيخ الشعراوي: لا تقولوا شوقي رحمه الله ولكن قولوا شوقي رضى الله عنه، فلم يمدح النبي، صلى اللَّهُ عليهِ وآلهِ وصحبهِ وسلم، أحدٌ من الناس بمثل ما مدحه به شوقي.

 

وقد روى الإمام الشعراوي قصة أخرى عن شيخ الجامع الأزهر الشيخ الظواهري أنه شاهد الرسول في المنام والصحابى حسان بن ثابت شاعر الرسول يقدم له الشعراء ولكن الرسول قال لحسان: وأين أحمد شوقي؟ ومن هنا ذهب الإمام شيخ الأزهر إلى شوقى في اليوم التالي، وكان مريضا وأخبره بالرؤيا.

 

سأل فاروق جويدة الموسيقار محمد عبد الوهاب: هل كان أحمد شوقي متصوفا؟ فقال: كان متدينا باليقين، وكان مسلما يحب دينه ويحب رسوله. وكان يرى الإسلام دينا إنسانيا شاملا بما جاء به من الأخلاق والقدوة، كان شوقي يعتز كثيرا بدينه.. وكان يرى الإسلام دين حضارة وسلوك وقيم رفيعة، ولهذا كانت قصائده في مدح الرسول من أجمل ما كتب.

مدح الرسول

 

فَـإِذا سَـخَوتَ بَلَغتَ بِالجودِ المَدى         وَفَـعَـلـتَ مـا لا تَـفعَلُ الأَنواءُ

وَإِذا عَـفَـوتَ فَـقـادِرًا وَمُـقَدَّرًا              لا يَـسـتَـهـينُ بِعَفوِكَ الجُهَلاءُ

وَإِذا رَحِــمـتَ فَـأَنـتَ أُمٌّ أَو أَبٌ             هَـذانِ فـى الـدُنيا هُما الرُحَماءُ

 

وَإِذا غَـضِـبـتَ فَإِنَّما هِيَ غَضبَة             فـى الـحَـقِّ لا ضِغنٌ وَلا بَغضاءُ

وَإِذا رَضـيتَ فَـذاكَ فى مَرضاتِهِ            وَرِضـى الـكَـثـيرِ تَحَلُّمٌ وَرِياءُ

وَإِذا خَـطَـبـتَ فَـلِـلمَنابِرِ هِزَّةٌ                  تَـعـرو الـنَـدِيَّ وَلِـلقُلوبِ بُكاءُ

 

وقصيدته العصماء سلوا قلبي:

سَلو قَلبي غَداةَ سَلا وَثابا                          لَعَلَّ عَلى الجَمالِ لَهُ عِتابا 

وَيُسأَلُ في الحَوادِثِ ذو صَوابٍ                  فَهَل تَرَكَ الجَمالُ لَهُ صَوابا 

وَكُنتُ إِذا سَأَلتُ القَلبَ يَومًا                       تَوَلّى الدَّمعُ عَن قَلبي الجَوابا

 وَلي بَينَ الضُلوعِ دَمٌ وَلَحمٌ                       هُما الواهي الَّذي ثَكِلَ الشَّبابا

 

ومنها:

أَبا الزَهراءِ قَد جاوَزتُ قَدري                         بِمَدحِكَ بَيدَ أَنَّ لِيَ انتِسابا 

فَما عَرَفَ البَلاغَةَ ذو بَيانٍ                              إِذا لَم يَتَّخِذكَ لَهُ كِتابا 

مَدَحتُ المالِكينَ فَزِدتُ قَدرًا                            فَحينَ مَدَحتُكَ اقتَدتُ السَّحابا 

 

سَأَلتُ اللهَ في أَبناءِ ديني                                 فَإِن تَكُنِ الوَسيلَةَ لي أَجابا 

وَما لِلمُسلِمينَ سِواكَ حِصنٌ                            إِذا ما الضَرُّ مَسَّهُمُ وَنابا

 

وفي "نهج البردة":

محــمدٌ صفـوةُ البـاري، ورحمتُـه                         وبغيَـةُ اللـه مـن خَـلْقٍ ومـن نَسَـمِ

وصـاحبُ الحـوض يـومَ الرُّسْلُ سائلةٌ                    متـى الـورودُ؟ وجـبريلُ الأَمين ظَمي

ســناؤه وســناهُ الشــمسُ طالعـةً                           فـالجِرمُ فـي فلـكٍ، والضوءُ في عَلَمِ

 

 

قـد أَخطـأَ النجـمَ مـا نـالت أُبوَّتُـه                          مـن سـؤددٍ بـاذخ فـي مظهَـرٍ سَنِم

نُمُـوا إِليـه، فـزادوا في الورَى شرَفًا                      ورُبَّ أَصـلٍ لفـرع فـي الفخـارِ نُمي

حَــوَاه فـي سُـبُحاتِ الطُّهـرِ قبلهـم                         نـوران قامـا مقـام الصُّلـبِ والرَّحِم

ويقول: 

لَزِمتُ بابَ أَميرِ الأَنبِياءِ وَمَن                يُمسِك بِمِفتاحِ بابِ اللَهِ يَغتَنِمِ

وفيها:

يـا أَحـمدَ الخـيْرِ، لـي جـاهٌ بتسْمِيَتي          وكـيف لا يتسـامى بالرسـولِ سمِي؟

 

 

ويشيد بالإمام البوصيري، ويضعه حيث يستحق:

المــادحون وأَربــابُ الهـوى تَبَـعٌ                لصـاحبِ الـبُرْدةِ الفيحـاءِ ذي القَـدَمِ

مديحُـه فيـك حـبٌّ خـالصٌ وهـوًى             وصـادقُ الحـبِّ يُمـلي صـادقَ الكلمِ

اللــه يشــهدُ أَنــي لا أُعارضُــه                  مـن ذا يعارضُ صوبَ العارضِ العَرِمِ؟

وإِنَّمـا أَنـا بعـض الغـابطين، ومَـن                يغبِــطْ وليَّــك لا يُــذمَمْ، ولا يُلَـمِ

الجريدة الرسمية