رئيس التحرير
عصام كامل

التحول التاريخي للإعلام

تعيش صناعة الإعلام في العصر الحالي بكل أدواتها من صحافة وتلفزيون وأخبار وإذاعة وتدوين  في أزهى عصورها حيث الخبر لا يستغرق نقله سوى دقائق قليلة ليصل إلى المشاهد أيا كان موقعه وأيا كانت لغته، وحيث الحدث وتحليلاته وأبعـاده دائما متاحة للجميع مقارنة بما كان.. 

 

فعندما مات نابليون وصل خبر رحيله من جزيرة سانت هيلانة لباريس بعد شهر، وخلال الخمسة عقود الأخيرة تطورت ثورة المعلومات، في السرعة. فالمعلومات كانت تتنقل فيما مضى من أزمان ببطء شديد، أما اليوم فإنها تنتقل بوتائر مرتفعة، لا بل وتنتقل بسرعة لا تضاهيها في ذلك إلا سرعة الضوء.

 

والقصد هنا هو التأكيد على حقيقة أن المعلومة باتت "تعاش" في زمن قياسي، أو فيما يسمى ب"الزمن الواقعي"، حيث ينقل الحدث بالمباشر الحي، عبر التلفزيونات بالاقمار الصناعية، أو عبر الشبكات الرقمية، من خلال شبكة الإنترنت أو بواسطة الاتصالات التليفونية عبر الموبايل وهنا كان الانسحاب
التدريجي للدولة وللقطاع العام عمومًا، ليس فقط من القطاعات الإنتاجية التقليدية المباشرة.. 

 

بل كذلك من القطاعات الإعلامية السيادية ومع استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تزايدت قدرة الآلات والروبوتات على معالجة البيانات والتعامل مع المحتوى الإعلامي ومراجعة النصوص بل تقديم نشرات الأخبار والبرامج التليفزيونية، وأصبح توفير التقارير الإخبارية الآلية أمرًا متاحًا، كما استُبدل الروبوتات بالعنصر البشري من مراسلين ومصورين.. 

الإعلام وتوجيه الرأي العام

كما وفرت تقنيات الذكاء الاصطناعي الكثير من الجهد والوقت المبذول من جانب الصحفيين والإعلاميين في جمع المعلومات والأخبار وصياغتها وافرزت موجة الإعلام الرقمي منافذ جديدة جذبت اهتمام المستثمرين في الإعلام باعتبارها المنصات الأنسب للوصول إلى الأجيال الجديدة، مثل جيل الألفية وما بعده، التي شبت على أن الهاتف الذكي هو نافذتها الرئيسية على العالم. 

 

على مدار عقود لعب الإعلام أدوارا متباينة في التأثير على واقع المجتمعات، لكن يمكن القول قطعًا إنه في السنوات الأخيرة تحديدا تحوّل الإعلام إلى قوّة حقيقية شديدة التأثير على الأرض قادرة على توجيه الرأي العام في كل الاتجاهات.


وهكذا تحولت  صناعة الإعلام.. من كنفِ السلطةِ إلى سلطةِ الجمهور ليس هذا فحسب، بل تم الربط تقليديًا وتاريخيًا بين المعلومة والحرية، فقيل بأن عدم توفر المعلومة هو بالمحصلة مؤشر لغياب الحرية، وأن توفرها وترويجها وتقاسمها على نطاق واسع، هو دليل حرية عامة، ودليل حرية التعبير والتفكير وإبداء الرأي على وجه التحديد، ولكل هذا تغيرت المفاهيم.. 

 

وسابقًا كان مفهوم الأمن القومي مرتبط بشكل كبير بمدى القدرة على السيطرة على حدود الدولة وامتلاك أجهزة استخبارات قوية وأدوات عسكرية كبيرة، ولكن في الوقت الحاضر ظهر مصطلح الأمن المعلوماتي والأمن السيبراني محوريًا في الدراسات الأمنية والاستراتيجية، لما له من مركز ثقل وتأثير.. 

 

 

فأصبحت الوسائل التكنولوجية هي لغة الحرب المتعارف عليها، وأصبحت حماية الأجهزة التكنولوجية ومعلومات الدولة أمرًا لا يقل شأنًا عن حماية الحدود الأرضية للدولة بل يعلوه خطورة وفي نفس الوقت يجب أن يكون الاعلام وهو الضمير الحي للمجتمع، يرصد جوانب مكوناته النفسية والسلوكية، ويعبر عنها بموضوعية غير أن ما يحدث للمهنة في هذا البلد هو قذف خارج الرحم..

الجريدة الرسمية