رئيس التحرير
عصام كامل

المنبوذة.. ملكة!

لا يختلف اثنان على عظمة وفخامة تتويج الملك تشارلز الثالث، في أكبر احتفال ملكي تشهده بريطانيا وأول تتويج في المملكة المتحدة منذ 7 عقود، قطعًا نحن جيل محظوظ لأننا تابعنا على الهواء مباشرة تقاليد عريقة وطقوس مهيبة يعود تاريخها إلى العام 1066 في عهد الملك وليام الفاتح.

 

لم تشهد أجيال عدة المراسم البريطانية العريقة منذ حفل تتويج الملكة اليزابيث الثانية قبل 70 سنة، وإن اقتصرت متابعتهم ذلك عبر الأفلام أو الأعمال الوثائقية، وهي تختلف كثيرًا عن معايشة الحدث حيًا لحظة بلحظة. 


دمج التتويج التاريخي المهيب بين عراقة وعظمة ألف عام ولمسات نظام ملكي عصري يسعى لوضع بصمته الخاصة كما فعل أسلافه، خصوصا والدته اليزابيث، التي ظلت على العرش 7 عقود. ولم تمنع الفخامة والدقة المتناهية والطقوس العريقة، إحساسي بأن هناك أمرًا ما يقلل من عظمة الحدث ويجعله لا يرقى لهيبة حفلات تتويج الملكة اليزابيث ومن سبقوها.

قسم الولاء


أردت أن أقطع الشك باليقين، فهاتفت صديقة بريطانية لبنانية، تعيش في لندن، وجدتها تتابع الحفل فسألتها عن قسم الولاء للملك، نفت أن تكون فعلت ذلك، وقالت: لن نقسم لأحد بعد اليزابيث الثانية، تركتها وهاتفت صديقة مصرية هاجرت كندا منذ سنوات طويلة وحصلت على الجنسية، فإذا بها لا تتابع التتويج من الأساس، رغم أن كندا جزء من التاج البريطاني..

 

سألتها أيضًا عن قسم الولاء، فأدركت ما أرمي إليه بسؤالي، وردت بحسم: "أقسمت بالولاء للملكة اليزابيث عندما نلت الجنسية الكندية وانتهى الولاء بوفاتها، لكن لو كانت المتوجة اليوم هي الأميرة الراحلة ديانا، كنت أديت قسم الولاء من أجلها".  

التتويج ليس ضروريا في العرف البريطاني، لكنه وسيلة لإضفاء الشرعية على العهد الجديد بطريقة عامة، ولكي يخرج الملك تشارلز الثالث من ظل والدته، طلب حفل تتويج مختلف تمامًا عن تتويجها العام 1953، خصوصًا أنه لا يتمتع بما لديها من هيبة وكاريزما وشخصية قوية حازمة وحنونة، ولا يحظى بالشعبية الجارفة ولا التقدير العميق مثلها..

 

فضلا عن أنه خالف رغبة والدته اليزابيث، التي لم تمانع في منح زوجته كاميلا لقب الملكة القرينة، وقرر تتويجها ملكة، وهي التي ظلت لسنوات طويلة منبوذة ومكروهة من الشعب، لكونها تسببت في تدمير أسرة الأميرة ديانا سبنسر، التي قالت في أكثر من لقاء قبل مقتلها في حادث سيارة: "كنا طيلة سنوات زواجنا ثلاثة، أنا وتشارلز وعشيقته كاميلا، التي تسببت في عدم إكمال حياتنا سويًا".

 

لا تتمتع كاميلا بالحضور والقبول ولا الهالة، التي تقربها من النفس، وتفتقر إلى الجمال وأي سمة تقنع متابع التتويج أنها ملكة، ورغم ذلك توجت إلى جانب تشارلز في كنيسة وستمنستر، ليسقط عنها لقب القرينة وتعرف باسم الملكة كاميلا، وبالعودة لحفل تتويج والدته الملكة إليزابيث نجدها لم تتوج زوجها الأمير فيليب وحمل حتى وفاته لقب "اللورد".

 

 رغم فخامة وعراقة تتويج الملك تشارلز، إلا أنه أقل كثيرًا من تتويج والدته، حيث تمت دعوة نحو 2000 ضيف، مقابل أكثر من 8000 شخص تمت دعوتهم لتتويج الملكة إليزابيث، وبينما استغرقت مراسم تتويج الملكة إليزابيث نحو 3 ساعات، اقتصر حفل الملك تشارلز على ساعتين فقط.

كاميلا وديانا

مر موكب عودة الملك تشارلز وزوجته كاميلا، بعد التتويج في وستمنستر، إلى قصر باكنغهام، على طريق مختصر مدته 40 دقيقة، بينما سلك موكب الملكة إليزابيث من وستمنستر إلى القصر بعد تتويجها، مسارا أكثر التفافا، استغرق أكثر من 5 ساعات ظلت خلالها تلوح وتبتسم للمهنئين على طول الطريق.

 

سيطر تتويج زوجة الملك تشارلز، على تعليقات رواد المنصات الاجتماعية، التي تراوحت بين السخرية والدعابة، ولم تخل من المقارنة بينها وبين الأميرة الراحلة ديانا، وكيف تم تخصيص فريق كامل ظل يعمل لسنوات من أجل تحسين صورة كاميلا، حتى يتقبلها الرأي العام بعدما تسببت في طلاق تشارلز وديانا وأخذت مكانها في الأسرة الملكية، رغم رفض الأميرين وليام وهاري أن يتزوجها والدهما مثلما قال هاري بنفسه في أكثر من لقاء.

 

 

اعتاد الأمير لويس، أصغر أبناء ولي العهد الأمير وليام، كسر وقار المراسم الملكية، بشغب طفولي برئ وعدم التزام بالقيود الصارمة، وخطف الأنظار بتصرفاته العفوية وكان فاكهة حفل التتويج، وبين شغب لويس ومراسم التتويج الوقورة، رمق ولي العهد وليام، زوجة أبيه كاميلا بنظرة تحمل معان كثيرة، في وقت انحنى فيه أمام والده مؤديًا قسم الولاء له.. 

بينما جلس هاري بعيدا في الصف الثالث خلف شقيقه، ولم يكن له أي دور رسمي في الحفل لأنه تخلى عن مناصبه ومهامه الملكية بإرادته، لكن نظراته في الحفل كشفت الكثير رغم ابتسامته.

الجريدة الرسمية