رئيس التحرير
عصام كامل

المبادرة

لم يكن المشهد السوري على هذا النحو من التعقيدات والتداخلات عند اندلاع الحراك السوري، ولم يكن فينا من يتصور أن تصير الأمور إلى تلك اللوحة المربكة، والتي تعدت كل مراحل التعقيد كما نراها الآن، بعد سنوات من الصراع بات العام كله جزءا من هذا الصراع.


ومع ارتباك المشهد وتبادل الأدوار وتغير المواقف واستدعاء القوى الإقليمية والدولية، بات الأمر عصيا على التفسير، أو حتى مجرد طرح حلول يكون لها من المنطق ما يجعلها تسير على قدمين، أو أن تصبح ولو في المستقبل البعيد حلا حقيقيا لتلك الدراما السياسية.


ورغم الأهمية التي تحظى بها، ورغم ما تتضمنه من نقاط إيجابية وحيوية وقابلة للتطبيق، فقد أرجأت الكتابة عنها لأكثر من أسبوع، بسبب انشغالات يومية ملحة تطرح نفسها على شغل تلك المساحة التي نطل بها على قرائنا، وقد جاء الوقت للتعاطي معها وطرحها لنقاش عام.
 

يقولون أهل مكة أدرى بشعابها، وقد قدمت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا واحدة من المبادرات المهمة، وصولا إلى حل للأزمة السورية عبر قنوات حوار تشمل الجميع، دون إقصاء أو تهميش بمشاركة عربية فاعلة، ودون استبعاد المؤسسات الدولية الساعية إلى حل الأزمة.


وتعتمد المبادرة على عدد من النقاط المهمة التي نستطيع أن نوجزها للقارئ العزيز دون إخلال،  وبعيدا عن الإطناب الذي قد يفسد على العقل قدرته على فهم واستيعاب أهم ملامحها الإيجابية، خصوصا وأنها تأتي من إدارة لها تجربة على أرض الواقع، تحظى باهتمام كبير بسبب نجاحاتها في العيش والاستقرار، وإدارة أصعب الملفات بنجاح ملحوظ.

مبادرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا


أولى نقاط المبادرة تنطلق من فكرة وحدة التراب السوري، وسط محيط هادر من التدخلات والوجود الأجنبي المفرط، وتباين المصالح الدولية وتناحرها، وصيرورة الأمر إلى ما هو أبعد من تصور وجود حل عادل وممكن، لتلك الأزمة التي تطايرت آثارها لتطال المحيط الإقليمي والدولي كله.


وتنطلق مبادرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا معتمدة واحدا من نماذج التعايش والإدارة الناجحة لجزء كبير من التراب السورى، وفق مفاهيم الحرية والتعايش والمواطنة، فرغم تباين المصالح الجامعة للجماعة الإنسانية التي تعيش علي هذا الجزء الغالى من سوريا، إلا أنها نجحت في خلق مساحات مشتركة قادرة على العيش والنمو والاستقرار.


وتعتمد المبادرة هذا النموذج الناجح، مؤكدة أن الإدارة المركزية للدولة السورية لم تعد قادرة على الإيفاء بمتطلبات مستقبل سوريا، وأن الحل الحقيقي يكمن في إدارة غير مركزية تمنح الأقاليم مساحة للتحرك والإدارة، وفق خصوصيات ثقافية لها متطلباتها الخاصة تحت مظلة دولة واحدة للجميع.


وترى المبادرة أن الإدارة السورية الحالية أخفقت في القيام بدور إيجابي فعال يفضي إلى حل سياسي للأزمة الخانقة، دون أن تبحث عن تسوية سلمية بدعوة كافة الأطراف لإيجاد مخرج لها، فظلت خارج هذه المعادلة مما زاد من تفاقم معاناة الشعب السورى.


وترى الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا أن نجاحاتها ترسخت باعترافها بخصوصية سائر المكونات السورية وحقوقها، وهو أساس للوصول إلى حل حقيقي للأزمة السورية، باعتبار أن الوصول إلى حل ديمقراطي تتشارك فيه جميع فئات الشعب السورى –عرب كرد– سريان – وأيضا الحقوق الدينية التي تشكل خارطة المجتمع السورى هو الملاذ الآمن والحل الأكثر فاعلية الآن.


وتشير المبادرة إلى أن الأجواء الديمقراطية تفرض جوا من الأمن والاستقرار، والوصول إلى حل لكل المشكلات من خلال الإدارات الذاتية التي تحقق إشراف المواطنين مباشرة على تسيير أمور مناطقهم لتذليل العقبات ومواجهة التحديات مباشرة.


وتؤكد المبادرة في بنودها على ضرورة التوزيع العادل للثروات والموارد الطبيعية بين كافة مناطق البلاد، باعتبار أن سوريا ملك للجميع دون تمييز مع إعلان الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا استعدادها لاحتضان من فروا من ديارهم تحت وطـأة العنف والقتل والدمار.

 


وخلاصة القول إن مبادرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تعتمد فكرة الحوار البناء، تحت مظلة عربية بما لايتعارض مع قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤، وجميع القرارات الأممية ذات الصلة ، للوصول إلى نموذج حكم ديمقراطى يرعى خصوصية المكون السوري دون إقصاء أو تهميش.

الجريدة الرسمية