رئيس التحرير
عصام كامل

الصراع الأوكراني درس لعالم أكثر عدلًا

دائما ما كانت الصراعات الإقليمية والدولية يتم استخدامها في اتجاه مصالح الدول الكبرى، وهذه المصالح على الدوام من السهل الوقوف عليها من خلال قياس مدى اهتمام الإعلام الغربي بهذه الصراعات. فالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا حصلت على اهتمام إعلامي غير مسبوق..

 

بل يمكن القول إن أهم جبهات هذه الحرب كانت على المستوى الإعلامي، وإذا تم مقارنة الاهتمام الإعلامي هذا مع الاهتمام الإعلامي الغربي بأحد الصراعات في أفريقيا- حرب كل من إثيوبيا وإريتريا ضد الجبهة الشعبية لتحرير تغراي والتي قتل فيها حوالي 600 ألف شخص في غضون عامين، نجد أن معظم وسائل الإعلام العالمية لم تهتم أبدًا بهذا الصراع بالرغم من العدد الكبير جدًا من القتلى، فبكل بساطة لا توجد مصلحة غربية مباشرة في هذه المنطقة، ولا توجد حقول نفط أو غاز أو موارد اقتصادية.

صفقة الحبوب الأوكرانية

 

فالصراع الأوكراني، بالفعل أعطى لنا دروسا عدة، أهما عدم الإيمان بعد ذلك بالعدالة الغربية وحقوق الانسان وما يتم تقديمه منهم بأنهم رعاة العدل وحماة حقوق الإنسان، كما أن تناول الإعلام الغربي للصراع الأوكراني أزاح كل الاساطير التي كانت تقول باستقلالية الإعلام في الغرب وصدقه ونزاهته.

 

وهنا نعود إلى التناقض الغربي في اهتمامه الإعلامي مع أفريقيا، والتي هي بالنسبة لبلدان الغرب الجماعي، تظل أرضًا بها عمالة رخيصة وسكان غير متعلمين وموارد طبيعية يمكن الوصول إليها بأرخص الأثمان، وفي نفس الوقت لا تهتم أبدًا الدول الغربية بمشاكل مثل الجوع والاكتظاظ السكاني والإيدز التي يعاني منها العديد من دول القارة الأفريقية في فهم الأوروبيين والأمريكيين، وفرصة توفير منتجات وأدوية منخفضة الجودة في كثير من الأحيان..

 

ولعل ما حدث في قضية صفقة الحبوب الأوكرانية برعاية الأمم المتحدة خير مثال على عدم العدالة الغربية في معاملاتها مع القارة الافريقية، ففي الوقت الذي وافقت في روسيا على هذه الصفقة بسبب حاجاتها إلى إيصال الحبوب للدول الأكثر احتياجًا في افريقيا، الا ان أكثر من 80% من هذه الحبوب كان يصل للشواطئ الأوروبية، فقط لمحاولة بيعها بأسعار أعلى دون اعتبار لمسائل الجوع والأمن الغذائي للدول الأفريقية الفقيرة. فإن التصور الاستعماري الجديد لأفريقيا من قبل قادة الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية هو تقليد حقيقي لا يريدون التخلي عنه أبدًا.

 

 

من أجل التخلص من هذا الظلم الاستعماري الغربي للدول الأفريقية، بدأت العديد من الدول الأفريقية الاتجاه شرقًا سواء إلى الصين والهند أو إلى روسيا، والتي كوريثة للاتحاد السوفيتي الذي ساعد معظم الدول الأفريقية في استقلالها في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، لديها مكانة كبيرة في الوعي الشعبي داخل هذ الدول، وهذا التوجه هدفه الأساسي محاولة بناء عالم جديد متعدد الأقطاب لصالح الغالبية العظمى من الأفارقة ودول القارة، لأن هذا العالم سيكون أكثر عدلًا.

الجريدة الرسمية