رئيس التحرير
عصام كامل

مصر..عبقرية المكان والزمان


"عروبة مصر أكبر من الصراعات الحزبية والحملة الإعلامية ضد السوريين والفلسطينيين مرفوصة" مقولة لنائب رئيس الوزراء.

جاء في كتاب تاريخ مصر من أقدم العصور إلى الفتح الفارسي لجمس هنري بريستيد، من مشاهير علماء الآثار المصرية، والتاريخ المصري، وترجمة الدكتور حسن كمال أن جماعات من الليبيين والجالا والصومال والبجا، كانوا يطرأون على مصر منذ أقدم الأزمنة، وأن من المعروف إلى هذا، أن أقوامًا ساميين من عرب آسيا، طرأوا على وادي النيل، وعمموا فيه لغتهم، وصبغوه بصبغتهم، كما هو ظاهر من النقوش المصرية القديمة، وأن لغتهم حافظت على ساميتها (عروبتها) بمرور الزمن، بالرغم مما طرأ عليها من تغيير وتحريف باختلاط السكان، وأن تاريخ الهجرات السامية الأولى، يرجع بلا مراء إلى ما قبل العصور التاريخية المعروفة، وأن من الثابت أن هذه الهجرات قد تكررت مرارًا في العصور التالية، وأنه إذا كان من الصعب معرفة الطريق التي سلكوها، فإن الأقرب للذهن أن يكونوا أتوا من برزخ السويس، كما فعل العرب في بداية الإسلام.


ولقد قال العالم الأثري المشهور أحمد كمال في كتابه العقد الثمين: "إن المصريين القدماء كانوا يطلقون على بلاد حضرموت واليمن اسم بون. وكانوا يعتقدون أن أصلهم منها".

نتساءل بحرقة لا حدود لانعكاساتها المؤلمة على أنفسنا وقلوبنا متى وكيف نتخلص من هذه النمطية المدمرة لتفكيرينا العربي المعاصر. وكيف ومتى نعيد إلى خطابنا رشده وإلى سلوكنا اليومي اعتباره الحضاري الذي يستمده من المعطيات الراهنة مفرداتها الواقعية، وشرعية انتسابه للعصر الذي يحاصر حاضرنا ومستقبلنا ويسعى إلى إلغاء تراثنا العربي لمصر المحروسة.

ونشد على قلوبنا على المسار السيئ الذي آل إليه بعض الثوار في رفضه للمحيط العربي والعداء الشديد لعروبة مصر.

من مفارقات هذا الزمان الثوري جعلت العالم العربي أكثر اهتماما بالحاصل في مصر، في حين أنها جعلت الشعب المصري أكثر ابتعادا عن العالم العربي وانصرافا إلى شأنه الخاص. وهو ما قد يغتبط له دعاة مصر المصرية، لكنه يحزن أنصار مصر العربية الذي ينتسب إليه كل مبدعي ومثقفي الوطن العربي.

فعروبة مصر أكبر من الحزازات الحزبية والحملة الإعلامية السوداء ضد السوريين والفلسطينيين. مصر ليست مكان أنها زمان مفتوح على كل حضارات المنطقة العربية من آشورية وأكادية وفينيقية وعربية.

من يطلبون اليوم بكره الأشقاء العرب، سيخرجون من ذاكرة التاريخ والجغرافيا. لأن مصر قلب العروبة ولا تقبل الاختزال بساكنتها ونخبها الثقافية وذاكرتها القومية. مصر محكوم عليها أن لا تهرب من عبقرية المكان أن تكون فاعلة وبوصلة محيطها العربي والإفريقي والأسيوي ولا يمكن أن تصاب بهوس العزلة المحلية.

إن الحلم المصري سيظل منقوصًا إذا لم يصبح جزءًا من الحلم العربي الكبير. والانتماء العربي لمصر مسئولية قومية يتمثل في الترحاب كأرض اللقاء والإخاء لكل أبناء الوطن العربي.وتكون ضامنة حريتهم وأمنهم في الظروف الصعبة التي تمر بها أوطانهم.
الجريدة الرسمية