رئيس التحرير
عصام كامل

الفن وسنينه

متى تعود السينما لشعارها.. واحد من الناس؟!

منذ بدايات السينما في العالم، أخذ السينمائيون على أنفسهم عهدًا وعقدًا غير مكتوب، بأن تعبر السينما عن الناس.. مشاكلهم ومعاناتهم وأزماتهم وتطلعاتهم وأحلامهم وطموحاتهم وكل شيءٍ يهمهم، باختصار تكون مرآة للناس وللمجتمع، تعكس كل ما فيه وتتأثر به وتحاول أن تؤثر فيه، تعكس اهتماماته وقضاياه الحيوية والحياتية وتقوم بتوصيلها إلى الجهات المعنية بها وتفكر معه في الوصول إلى حلول لها قدر الإمكان وإن كانت غير مطالبة بذلك، فهي تطرح القضية وتفجرها في المقام الأول..

 

وقد نجحت السينما العالمية بدرجةٍ كبيرةٍ في لعب هذا الدور على مدار تاريخها ولم تكن السينما المصرية ببعيدة عن هذا المنحى، فقدمت عشرات الأفلام المهمة في عصورها الذهبية، أثرت من خلالها في الناس وانتصرت لهم وعبرت عنهم أيما تعبيرًا والأمثلة على ذلك كثيرة بدايةً من أفلام على الكسار على بساطتها وسذاجتها ونجيب الريحاني ثم يوسف وهبي وحسين صدقي وفريد شوقي وفاتن حمامة وماجدة وشادية وسعاد حسني وغيرهم حتى أخر الأجيال الفنية الحقيقية.. 

 

جيل عادل إمام ونور الشريف ومحمود ياسين وأحمد زكي ومحمود عبد العزيز والمخرجين عاطف الطيب ومحمد خان وسمير سيف وداوود عبد السيد ومن بعدهم شريف عرفة، فبعد هذا الجيل تراجع تمامًا اهتمام السينما بمشاكل الناس، واختفى بفعل طغيان أفلام الكوميديا التي لا تحمل مضمونًا في أغلبها وانتشار أفلام الجريمة والعنف والجنس، اللهم إلا من بعض المحاولات السينمائية على فترات متباعدة وعلى استحياء لا تسمن ولا تغني من جوع!

كريم والسقا وعز


للأسف لم يقدم جيل كريم عبد العزيز وأحمد السقا وأحمد عز، الذين تصدروا المشهد السينمائي بعد آخر أجيال العمالقة، الأعمال المنتظرة منهم، التي تتحدث عن الناس وهمومهم ومشاكلهم وتعبر عن تطلعاتهم وآمالهم وتستكمل مشوار الأجيال السابقة عليهم، فجاءت الغالبية العظمى من أفلامهم رغم نجاح الكثير منها في شباك التذاكر، بعيدةً بدرجةٍ كبيرةٍ عن عامة الناس وعمومهم.. 

 

أفلامًا يحكمها الطابع التجاري وتركز أكثر على الأكشن والجريمة والعنف وبعضًا من الكوميديا، والحقيقة أنهم ليسوا مسؤولين وحدهم عن هذا الوضع غير المقبول، لأنهم لا يحملون رسالة الفن الحقيقية ولا لديهم الرؤية الواضحة المستنيرة، وهي مشكلة كل الأجيال الأخيرة، فضلًا عن ندرة وجود المؤلف الموهوب صاحب القضية الراغب في إحداث التغيير في المجتمع والمخرج المؤمن بدور الفن ورسالته الحقة والمنتج الفاهم والواعي المثقف الذي ليس كل همه مغازلة الشباك وتحقيق أعلى الإيرادات بأي وسيلة مهما كانت بعيدًا عما يحتاجه الجمهور! 

 

ورغم ذلك كانت هناك تجارب سينمائية في هذا السياق لا بأس بها لهذا الجيل منها على سبيل المثال.. واحد من الناس وفي محطة مصر للثلاثي كريم عبد العزيز بطلًا وبلال فضل كاتبًا وأحمد نادر جلال مخرجًا، تيتو لأحمد السقا، تأليف محمد حفظي وطارق العريان وإخراج طارق العريان، الرهينة لأحمد عز تأليف نبيل فاروق ونادر صلاح الدين وإخراج ساندرا نشأت، مسجون ترانزيت لأحمد عز وإخراج ساندرا نشأت أيضًا وتأليف وائل عبد الله وإحقاقًا للحق فإن أحمد عز هو أكثر أبناء جيله ذكاءً في إختيار أعماله وشركائه فيه من مؤلف ومخرج ومنتج وممثلين.

 الأمل مازال قائمًا


رغم كل ما تقدم والذي يجعل الصورة تبدو قاتمةً وسلبيةً فيما يتعلق بعودة السينما المصرية إلى سابق عهدها في الانحياز للناس، والتعبير عنهم وعن مشاكلهم ومعاناتهم في ظل تردي الأوضاع وصعوبتها الشديدة على كافة المستويات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، والمعيشية والتي لم يسبق لها مثيل من قبل بنفس الدرجة والقسوة؟!

 

 

فإن الأمل مازال قائمًا وبقوة وتفاؤل في استيقاظ السينمائيين من غفوتهم التي طالت وأبعدتهم عن الناس وجعلتهم في وادٍ والناس في وادٍ آخر وفي ظهور جيل جديد واع ومثقف مؤمن بدور السينما ورسالتها في المجتمع، يستشعر هموم الناس ويهب للتعبير عنها ,جيل شعاره.. واحد من الناس، وهو الشعار الذي يشبه الالتزام الذي رفعته السينما المصرية في فترات كثيرة من تاريخها الحافل والممتد منذ أكثر من 125عاماٍ.

الجريدة الرسمية