رئيس التحرير
عصام كامل

حب غير مشروط

عندما يتمعن الإنسان فيما حوله من ظواهر، يشعر في كثير من الأحيان بقوة إلهية عظيمة تمده بيسر بعد عسر وراحة بعد كثير من التعب. ولكن لكي يطمئن قلب الإنسان فلابد أن يفهم، إذ أمرنا الدين الحنيف بأن نفهم كل ما نرى ولا نقتنع بالأشياء كما هي ظاهرة، إذ أن هذا الأسلوب يتناقض مع مبدأ إعمال العقل الذي يعد أساس قانون الخليقة وحكمة الله في الأرض.


ولكي تستشعر قيمة الصدق والطاقة الايجابية لابد وأن تعيش الظاهرة بمفهومها السليم. وعندما تنهمك في الفكر وتسرح بعيدا عن دنيا الغروب، ستحمد الله على رزقنا بنعمة من أهم النعم في حياتنا ألا وهي القلب الخاشع المحب الصادق.


القلب الذي تعلم أن يحب لكي يعطي ويحب كي يعمر الكون، يحب حبا صادقا ليغير ويتفاءل ويشعر بالصدق. ولم أعتقد قط بأن تلك العاطفة حين غرزت في الإنسان كان غرزها بمحض صدفة أو بجملة العواطف التي زرعت في عقل وقلب بني البشر، ولكنها زرعت واختصت بالذكر لحكمة بالغة أولها كانت حبك لله ثم حبك لرسله ثم حبك لأهلك وأصدقائك ثم حبك للدنيا كي تستطيع أن تواجهها بكل مآسيها وتحدياتها دون انسحاب، حبك لأبنائك، لزوجتك. لعملك، والكثير والكثير من أمور الدين والدنيا.


وعندما خلق الله تلك العاطفة الصادقة، وضع لها شروط كي تسير في المسار السليم دون تشويه، وأمرنا أن نتبعها في كل سلوك في حياتنا، كما وصفها في القرآن بالمودة وهي أعلى درجات الحب والرحمة، فأمرنا أن نحبه فنراه في كل مكان ونشعر به في كل نفس ونلجأ اليه في كل اختبار، أمرنا أن نحب ديننا كي نصدقه وننفذ كل تعاليمه برضا..

 

أمرنا أن نحب الوالدين فنحسن لهم في كل نفس، نحب الأصدقاء فنلخص لهم دون مقابل، نحب الأبناء فنتحمل مشقة تربيتهم، نحب أزواجنا فنتقي الله فيهم، نحب عملنا فنزيد من الانتاج لخدمة الكون وهكذا..
 

كذلك أمرنا أن نغلب عاطفة الحب على الكره والغضب، أمرنا أن ندفع بالتي هي أحسن، أن نكظم الغيظ ونكف عن الأذى ونعفو عن الناس ونحسن لمن أساء إلينا واعتبر ذاك مرتبة من مراتب الجهاد..


حب وأنانية

و لكن عزيزي القارئ، ترى أي حب هذا الذي يقصده المولى؟ أيقصد حب المقابل، حب تبادل المصالح، حب المال الزائف، حب الزوال، حب العدم؟!
كنت ومازلت وسأظل على يقين بأن الله تعالى لم يخلق شيئا عبثا، ولم يجعل شيئا سيئا، ولكن نحن من نسيء استخدام النعم وتفسيىر الظواهر.
 

عندما تحدث الله عن الحب، تحدث عن الحب والعطاء غير المشروط، العطاء بلا مقابل وذاك يقينا منه عز وجل أن ذاك العطاء الطاهر هو من سيدوم للأبد وسينمو كلما أعطيت أكثر وأكثر! فعندما أحب الله تعالى عباده، أحبهم دون قيود أو شروط، حتي ما أمرنا به من تعاليم كانت لصلاح أنفسنا وعدم اتباعنا اياها لن ينقص من الله شيء والله غني عنها.
 

عندما أحبت الأم طفلها، أحبته دون مقابل بل على العكس، كلما زاد عناؤه، ازداد ارتباطها به وتلك هي معجزات الله حقا! عندما أحببنا الأنبياء أحببناهم دون مقابل  فمكث حبهم في قلوبهم مهما مرت السنون وسيظل بإذن الله. وعندما أحب الانسان وطنه، دافع عنه لآخر نقطة في دمه دون بخل أو قنوط وباع الدنيا آملا أن يحفر اسمه مع الصديقين والشهداء.. هذا هو الحب الشريف.


لكن حدثني عزيزي عن هؤلاء الذين يحبون من أجل الأنانية! الصديق الذي يحب صديقه لمصلحة فقط وعندما تمضي ينسى ثم ينسى حتى آخر دقيقة جمعت بينهم ! الرجل الذي يذهب لخطبة امرأة او المرأة التي تقبل زيجة من رجل لاستفادة ما من هذا العقد..


أي حب هذا لإنسان يعمل فقط من أجل مال أو جاه دون هدف بإرضاء الله وتحسين حال العمل وافادة من هم بعده. أي حب لعلم هذا, الذي يجعل العالم يبخل بعلمه على طلابه! أي حب هذا الذي ينقلب لعداوة وبغضاء عند زوال المصلحة وتعارض الفكر! أي حب هذا المغلوط، غير المضبوط، الذي يقودنا إلى الموت! هذا ليس حبا، بل يمكن اطلاق أي مسمى آخر على تلك الكلمة دون اكسابها ذاك المعنى السامي.


عزيزي، تعلم أن تطهر قلبك وروحك، وعندما تتطهر روحك ستنضج، فتشعر بقيمة وصدق تلك العاطفة فتسعد وتسعد غيرك. فتعلم أن تحب بصدق، أن تحب حبا غير مشروط، حبا يظهر عند السكوت رغم امتلاكه لأعلى طبقة صوت..
Yasminashaheen16@gmail.com

الجريدة الرسمية