رئيس التحرير
عصام كامل

لغز تحول العقارات إلى كتل تراب أثناء زلزال تركيا، مادة خفية سبب سقوط المباني الحديثة كـ قطع الدمينو

زلزال تركيا، فيتو
زلزال تركيا، فيتو

منذ أحداث زلزال تركيا وسوريا، تتقاطر الأخبار المروعة حول انهيار العقارات وأظهرت مقاطع مصورة لحظات مروعة لانهيار مبان حديثة بشكل غريب بعد حدوث الهزة الأرضية المدمرة بساعات.

 

وكشفت حملة الاعتقالات التي تشنها السلطات ضد مقاولي البناء عقب زلزال تركيا، فيض من كيل حول الفساد واللغز وراء انهيار العقارات الفاخرة كـ قطع الدومينو، بسبب مخالفة جسيمة فى معايير البناء رغم بيع تلك الشقق فى المجمعات السكنية بأسعار خيالية


انهيار العقارات في زلزال تركيا

أحد أبرز هؤلاء المقاولين، محمد يسار كوسكون، مالك مجمع "رينيسانس ريزيدنس" في مقاطعة هاتاي جنوبي البلاد، أقدمت السلطات على اعتقاله يوم أمس السبت، بينما كان يحاول مغادرة البلاد إلى الجبل الأسود، من مطار صبيحة كوكجن في اسطنبول.

 

ويتكون المجمع السكني المذكور، المؤلف من 12 طابقا تضم 250 شقة، ويقع في منطقة أنطاكيا المنكوبة، وقبل حلول الكارثة كان قد جرى الإعلان عنه باعتباره مشروع إقامة فاخر، يتوافق مع أنظمة البناء، لكنه انهار بالكامل بعد أن ضرب الزلزال الأول بقوة 7.8 وتبعه آخر بفترة وجيزة بقوة 7.5.

 

وفي غضون ذلك ذكر موقع التلفزيون الرسمي التركي، الأحد، أنه تم اعتقال 31 من أصل 42 مشتبها صدرت بحقهم أوامر توقيف بشأن مزاعم وجود "عيوب في البناء وقطع أعمدة" تتعلق بالمباني المدمرة في ديار بكر.

 

وقالت وكالة "إخلاص" أنه تم القبض على يافوز كاراكوش وسيفلاي كاراكوش، في أثناء محاولتهما الهروب إلى جورجيا، إضافة إلى محمد إرتان أكاي، مقاول آخر صاحب أحد المجمعات التي انهارت في غازي عنتاب، وإبراهيم مصطفى أونكو أوغلو، صاحب أحد المجمعات السكنية في المقاطعات المنكوبة.


تركيا تشن حملة ضد المقاولين عقب الزلزال

وما تزال الحملات التي تنفذها السلطات ضد المقاولين مستمرة، فيما تشير المعطيات إلى أنها ستتخذ منحى تصاعديا خلال الأيام المقبلة، وهو ما أشارت إليه كلمات نائب الرئيس التركي، فؤاد أقطاي بقوله، السبت، إنه "تم التعرف على 131 شخصا مسؤولين عن المباني المدمّرة في 10 مقاطعات، وأنه تم اعتقال أحدهم".

 

وجاء كل ذلك بعد إعلان وزارة العدل التركية أنها بصدد إنشاء مكاتب التحقيق في جرائم الزلازل، وأنه "لن يُمنح المدعون العامون الذين سيهتمون بهذا المكتب وظيفة أخرى".

وطالبت الوزارة في رسالة، نشرتها وسائل إعلام مقربة من الحكومة، بضرورة تحديد المقاولين والمسؤولين الآخرين الذين انهارت مبانيهم بسرعة، و"اتخاذ الإجراءات لمنعهم من الهروب".


هدم مباني عقب زلزال تركيا 

وتشير آخر الإحصائيات الرسمية إلى أن فرق البحث والإنقاذ، التي تعمل في 10 مقاطعات منكوبة فحصت 171882 مبنى، وبدأت تقدير الأضرار لما مجموعه مليون قسم مستقل فيها.

 

وفي مؤتمر صحفي في أنقرة، أعلنت وزارة البيئة والتحضر وتغير المناخ أن 120940 قسما مستقلا في 24921 مبنى سيتم هدمها فورا، بينما قالت إن 729 ألفا و435 قسما مستقلا في 122 ألفا و279 مبنى لحقت بها أضرار طفيفة.

 

وحذرت الوزارة من دخول المباني التي لم يتم تحديد الأضرار التي لحقت بها حتى الآن، مشيرة إلى إبلاغ المواطنين بالضرر، وإمكانية معرفة ما يمكنهم فعله عبر التطبيق الحكومي على شبكة الإنترنت.

 

ورغم أن شدة الزلزال المدمّر، والمساحة الجغرافية التي ضربها، فضلا عن طول مداه الزمني، إلا أن مراقبين ومسؤولين حكوميين أشاروا إلى أن هذه الأسباب لم تكن الوحيدة وراء الدمار الهائل في الأبنية والمجمعات السكنية.

 

وتداول مستخدمون أتراك، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عدة تسجيلات مصورة، خلال الأيام الماضية، أظهرت كيف أن بعض الأبنية لم تكن مؤسسة بموجب المعايير التي يجب اتباعها بالأصل وفي الأوقات العادية، بعيدا عما يجب اتخاذه للاستعداد للكوارث.

 

وبيّن أحد التسجيلات المصورة رجلا يقف بجانب مجمع مدمر، وهو يقول: "الخرسانة مثل الرمل. تم بناؤه بسرعة كبيرة"، كما أشار إلى حجم الحديد ومقاساته الرفيعة، من جانب المقاول المسؤول عن عملية الإنشاء. 

 

ويرى الباحث السياسي والأكاديمي، مهند حافظ أوغلو، أن "الخلل في أساسات الأبنية موجود في كثير منها، حتى أن بعض الأبنية وضع المقاولون فيها الفلين المقوى بدلا من الإسمنت".

 

وعليه المساءلة ستطال الكثيرين، ليس فقط متعهدي البناء بل الكثير من الموظفين الذي ساهموا بزيادة هذه الفاجعة وآلامها".

 

ولا يمكن بأي حال من الأحوال "أن نسند ارتفاع عدد الضحايا وانهيار هذا العدد الهائل من الأبنية فقط إلى شدة الزلزال، بل إن التقصير في متابعة المواصفات الخاصة بالبناء، فضلا عن كونها مقاومة للزلازل".

 

ويضيف حافظ أوغلو: "يبدو ذلك من تصريحات المسؤولين باتهام أكثر من 130 شخصا تلاعبوا بالمواصفات والمعايير".

 

وفي حين يتحمل المقاولون مسؤولية في حجم الدمار والوفيات، إلا أنهم ليسوا الوحيدين أيضا، بحسب ما يقول مراقب تركي آخر، وكتاب ومتخصصون تحدثوا لوسائل إعلام تركية، خلال اليومين الماضيين.


زلزال تركيا يفضح فساد المحليات 

وتتحمل الحكومة المركزية والحكومات المحلية، أي البلديات، مسؤولية جدية في عمليات الترخيص والتفتيش لأنشطة البناء، من اختيار الموقع إلى جودة الأنظمة الهيكلية والمواد الحديدية والخرسانية في المباني.

 

ويشير الباحث السياسي التركي، هشام جوناي، إلى قصة سابقة ترتبط بالمقاول "فيلي غوشار"، إذ كان أحد أكبر المستثمرين في الإنشاءات في منطقة يالافا، وأكثر من تعرض الأشخاص الساكنين في مجمعاته السكنية للوفاة، في زلزال 1999.

 

ويقول جوناي لموقع "الحرة": "غوشار كان بين 6286 مقاولا تم اعتقالهم في ذلك الوقت. حكم حينها عليه بالسجن 18 عاما و9 أشهر، لكنه لم يمض هذه الفترة وخرج بعد سبع سنوات".

 

"الآن التاريخ يكرر نفسه. المقاول سيقول إنني حصلت على موافقة من البلدية ومن إدارة التدقيق والرقابة، هم من أشرفوا على المباني. هناك أيضا موافقات ودراسات تم التوقيع عليها من قبل مسؤولين ومختصين".

 

ويضيف الباحث التركي: "إلقاء القبض على المقاولين الآن لإرضاء الرأي العام الغاضب. المسؤول الأساسي هم أعضاء الرقابة من رئيس البلدية ولجنة الموافقة والدراسات. المقاول الفاسد يذهب ويأتي عشرة بدلا عنه. لكن موظف فاسد سيفسد مع المقاولين الجدد".

 

من جهته أوضح وزير البيئة والتطوير العمراني والمناخ، مراد قوروم أن "95 % من المباني المهدمة هي هياكل قبل عام 99-2000. في هذه المرحلة يمكننا أن نرى مدى أهمية التشريع في المباني التي تم تشييدها بعد عام 2000".

 

وبينما وضعت تركيا قوانين بناء جديدة بعد زلزال عام 1999، يتحدث مراقبون أن هذه القوانين شهدت عمليات التفاف من قبل مقاولين وموظفين "فاسدين"، وذلك بغاية كسب المال، باللجوء لمواد أولية رخيصة من بين أشياء أخرى.

 

وبينما يقبع تحت الاحتجاز، نقلت وسائل إعلام عن محمد يسار كوسكون، مالك مجمع "رينيسانس ريزيدنس" الذي ألقت السلطات القبض عليه السبت في مطار إسطنبول قوله: "لا أعرف سبب انهيار المجمع. تم إجراء المسح الأرضي لمبنى رونيسانس وكان في حالة جيدة".

وأضاف أنه "حصل على جميع التراخيص وأخذ العينات اللازمة من قبل كل من البلدية وشركة فحص المباني"، فيما "تم إجراء الفحوص اللازمة وضوابطها، ولم تكن هناك أي مشكلات في هذه المراحل".

 

واعتبر كوسكون أن "الطول الموجي للزلزال الحالي يختلف عن كل الزلازل التي حدثت في أي وقت مضى. بالإضافة إلى ذلك، نظرا لأنه كان قريبا جدا من الأرض، وعلى بعد بضعة كيلومترات، فقد يكون هناك دمار".

 

واعتبر الباحث السياسي هشام جوناي إن "إلقاء القبض على مقاولين ومحاكمتهم لن يكون حلا للإشكالية. نظام الرقابة يحتاج إلى إعادة دراسة".

 

ويشير إلى عفو كانت الحكومة أصدرته قبل سنوات عن مقاولين وأفراد خرقوا معايير البناء في بعض المناطق، إذ أقدموا على بناء من خمسة طوابق، بدلا من ثلاثة، مضيفا: "هذا الأمر بحد ذاته يشجع على موضوع التسيب".


أردوغان يعلن حجم خسائر زلزال تركيا

وكان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان قد وعد بإعادة بناء كل منزل دمر في غضون عام. وقال السبت إن الحكومة خصصت 100 مليار ليرة تركية (5.3 مليار دولار) لإعادة الإعمار. 

 

وعاد مسؤولون آخرون في الحكومة، الأحد، لتكرار هذا الوعد، فيما يرى جوناي أن "الأمور حاليا تحتاج للتأني وليس السرعة"، وأنه "يجب أخذ العبر لتقوية البنية التحتية لمواجهة الزلازل المقبلة".

 

واعتبر الباحث أن الوعود المتعلقة بإعادة البناء خلال عام تأخذ منحى سياسيا، وتابع: "عندما يبنى البيت على أساس قوي لا يحصل له شيء. غير ذلك تحلّ الكارثة".

 

من جهته أوضح الباحث حافظ أوغلو أن الإجراءات التي سبق أن استهدفت العفو عن متعهدين سابقين ومقاولين "هي نقطة ستستخدمها المعارضة السياسية بطبيعة الحال، سواء لأهداف انتخابية أو لأهداف سياسية، بأن الحزب الحاكم فيه من الفساد مما أدى إلى إضافة وجع فوق الأوجاع من جراء الزلزال الكبير".

 

وكانت الرسالة التي وجهتها وزارة العدل التركية إلى النيابات العامة في المقاطعات المتضررة قد تضمنت عدة عناصر، من قبيل أنه "ستتم محاكمة المقاولين والمسؤولين التقنيين والمساحين للمباني المنهارة، وسيتم إجراء التحقيقات اللازمة على الفور لأولئك الذين ثبت أنهم مسؤولون، وسيتم اتخاذ تدابير الحماية اللازمة ضد إمكانية الهروب والتعتيم".

ونقدم لكم من خلال موقع "فيتو"، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم، أسعار الدولار، أسعار اليورو، أسعار العملات، أخبار الرياضة، أخبار مصر، أخبار الاقتصاد، أخبار المحافظات، أخبار السياسة، أخبار الحوادث، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي، الدوري الإيطالي، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا، دوري أبطال أفريقيا، دوري أبطال آسيا، والأحداث الهامة والسياسة الخارجية والداخلية، بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

 

 

الجريدة الرسمية