رئيس التحرير
عصام كامل

هدنة بوتين.. وخسائر الحرب الأوكرانية!

هل نستبشر ونتفاءل بهدنة بوتين بوقف إطلاق النار 36 ساعة فى أوكرانيا بمناسبة أعياد الميلاد أم نترقب تداعيات أشد وأفظع لحرب أهلكت آمال البشرية في استعادة السلام والاستقرار في الأمد القريب؟!


هدنة بوتين الخاطفة قوبلت بتحفظ من أوكرانيا التي قال مستشارها الرئاسي ميخايلو بودولياك إن الهدنة المؤقتة لن تكون ممكنة إلا بعد انسحاب روسيا من الأراضي الأوكرانية.. ما يضاعف تعقيد الأزمة ليس فقط فقدان الثقة بين أطرافها وإصرار كل طرف على موقفه.. 

 

بل تزامن دعوة بوتين لوقف إطلاق النار مع إعلان واشنطن، ومن لف لفها، عن حزمة جديدة من الأسلحة لأوكرانيا، تتضمن لأول مرة مركبات برادلي القتالية، وهو ما قد يمثل إنجازا لكييف التي لا تفتأ تطالب الغرب منذ أشهر بإمدادها بمركبات مدرعة تساعدها على طرد قوات الدب الروسي من أراضيها.


لم تكن أوكرانيا وحدها من تحفظت على هدنة بوتين بل إن رئيس المجلس الأوروبي، تشارلز ميشيل دخل على خط الأزمة واصفًا إعلان موسكو وقف إطلاق النار على طول خط القتال في أوكرانيا بـ الكاذب والمنافق.


ميشيل قال في تغريدة على تويتر: "هناك معتدٍ هو الكرملين، وضحية هو الشعب الأوكرانى.. وانسحاب القوات الروسية هو خيار جاد فقط لاستعادة السلام والأمن، وإعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد زائف ومنافق مثل عمليات الضم والاستفتاءات غير القانونية.

خسائر الحرب الأوكرانية


وبين الشد والجذب وتقلب المواقف وغموضها تدور رحى الحرب، ويستمر النزيف وتتفاقم معاناة ليس الأطراف المتحاربة فقط بل الإنسانية كلها؛ جراء التداعيات المريرة لتلك الحرب المشئومة، ويبدو أن الاقتصاد العالمي هو أبرز ضحاياها، بالطبع بخلاف التكلفة البشرية والمادية للمواجهات الدائرة في تلك الدولة.


ومع بداية عام جديد ندعو الله أن يثوب المتصارعون لرشدهم إنقاذًا لما تبقى للإنسانية وتخفيفًا لمعاناتها من عواقب اقتصادية تتفاقم يومًا بعد يوم دون أن تجد من يوقفها ولا من يسعلى لوقفها حتى باتت حكومات دول كثيرة من مهب الغضب الشعبي جراء موجات التضخم وصعوبات العيش لاسيما في الشتاء القاسي.. 

 

ذلك أن تداعيات تلك الحرب اجتمعت مع تداعيات كورونا وتسببتا في زعزعة أساسات الاقتصاد في أغلب دول العالم، وسط أزمات تتصاعد في الأمن الغذائي وأمن الطاقة. أما عن التأثيرات السلبية لتلك الحرب على الاقتصاد العالمي، فقد قدرتها منظمة التعاون والتنمية (وهي منظمة حكومية تضم 38 دولة، وتعتبر تجمعا للاقتصادات المتقدمة مقرها باريس) بنحوى2.8 تريليون دولار بنهاية العام الجاري..

 

وربما يكون الرقم الحقيقي للخسارة أكبر من ذلك بكثير، لاسيما مع ارتفاع أسعار الطاقة الذي أضعف إنفاق الأسر وقوض ثقة الأعمال التجارية، وفاقم خلل سلاسل التوريد، وتسبب في نقص الغذاء والضروريات الأخرى، وهز الأسواق في جميع أنحاء العالم.


أما الأسوأ فهو حالة عدم اليقين التي تلقي بثقلها على الاقتصاد العالمي؛ وتباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي الذي يتوقع البعض أن يصل إلى 2,2% هذا العام مع الاستمرار في رفع معدلات الفائدة في المصارف المركزية لاسيما الأكثر ارتباطًا بالدولار والتي تجد نفسها مضطرة إليه؛ لتجنّب زيادة معدّلات التضخم بشكل أكبر وهو ما يدفع الأسر الأضعف والأشد فقرًا إلى حافة الهاوية مهما اتخذت حكوماتها من تدابير حمائية. 


الأشد إيلامًا هو الخسائر البشرية في صفوف العسكريين والمدنيين من الجانبين الروسي والأوكراني وهي أرقام رغم تضاربها مرعبة فقد زادت -وفقا لتقارير غربية- عن  200 ألف جندي، فضلًا على تشريد أكثر من 30 مليون أوكراني.

 


فمتى يجلس الفرقاء المتنازعون إلى طاولة المفاوضات لإنقاذ شعوبهم والبشرية من مصير مفزع عنوانه الفقر والجوع وتشريد الملايين وإزهاق روح الأمن والسلام، ناهيك عن التدمير والقتل الذي يقتل أعز ما في الإنسانية؛ عقلها وضميرها!

الجريدة الرسمية