رئيس التحرير
عصام كامل

رجل كلما اشتهى امرأة أكلها

ربما شاركت الطبيعة في أكبر عملية لخداع البشر، ففي صباح ربيعي ساحر، شهدت مدينة كوبه اليابانية ميلاد واحد من أبشع المجرمين في التاريخ، ففي ذلك اليوم لم يتحمل الجنين -الذي حمل بعد ولادته اسم إيسي ساغاوا- البقاء في رحم أمه، فولد «خديجا» قبل ثلاثة أسابيع من موعده الطبيعي، وراهن الأطباء وقتها على أن الصغير، الذي كان يمكن حمله في راحة اليد الواحدة لضآلة حجمه، لن يتمكن من العيش لعدة ساعات، خصوصا وأنه قد أصيب فور ولادته بالتهاب نادر في الأمعاء.

لكن يبدو أن ساغاوا ذلك الصغير، الذي سيتحول إلى وحش في ما بعد، كان أقوى من توقعات الأطباء، فقاوم وانتصر على الموت.. وفي عامه المدرسي الأول، اكتشف الصغير إيسي ساغاوا في نفسه رغبة عجيبة، فبدلا من أن يشعر بميل غريزي تجاه زميلته في الصف، وجد لديه رغبة قوية في أن يلتهم بعضا من لحمها، وحين رأى فخذ امرأة تمنى لو تمكن من أكله متبلا ببعض البهارات!!

بمرور الأيام، كانت الرغبة تزداد اشتعالا في نفس ساغاوا ذلك الطفل الشيطاني، الذي بات شابا ضعيف البنية قصير القامة دميم المنظر، وعندما وصل إلى الثالثة والعشرين من عمره، رأى امرأة ألمانية بهية الطلة، فتتبعها إلى بيتها، وفي أحد المساءات تسلل إلى داخل منزلها وهجم عليها بينما كانت نائمة، مستلا سكينا أراد استخدامه لتشفية بعض اللحم من جسدها بغرض التهامه على مأدبة لطالما تخيلها وتمناها، لكنها استيقظت وقاومته، ليفر هاربا، وحين ألقي عليه القبض أخفى رغبته وظنت الشرطة أنه كان يريد اغتصاب المرأة.

ساغاوا آكل لحوم البشر

انتقل الوحش الياباني ساغاوا إلى عاصمة النور عندما كان عمره ثمانية وعشرين عاما، بدعوى رغبته في تحضير رسالة دكتوراه في جامعة السوربون العريقة، ولشهور عديدة كان ساغاوا يخرج كل ليلة لاصطياد امرأة، فيعود وفي شبكته «مومس» لا ليضاجعها ولكن ليقتلها ومن ثم يأكلها، غير أنه اعترف –في ما بعد– أنه فشل في قتل أي منهن، إذا كانت أصابعه تتجمد فوق زناد البندقية، في اللحظة التي كان يريد فيها مباغتة ضحيته وهي نائمة، كي يقتلها ويحصل على وليمة من لحمها.

وعندما بلغ الثانية والثلاثين من عمره، وطد الشاب الياباني علاقته بشابة هولندية كانت زميلته في الجامعة، ودعاها في إحدى الليالي لعشاء منزلي أعده خصيصا لها، وهو بمثابة الطعم الذي اصطاد بها ضحيته، طالبا منها أن تساعده في ترجمة بعض القصائد الفرنسية.

بحسن نية ذهبت رينيه هارتيفيلت الجميلة إلى منزل صديقها ساغاوا القبيح، ولم تكن تدري أنها لم تأت من أجل مساعدته في بعض الفروض الجامعية، بل جاءت كي يصنع من لحمها أطباقا يشتهيها.

وبينما كانت الشابة تقرأ بعض القصائد وهي تجلس إلى الطاولة في غرفة الطعام، هاجمها ساغاوا من الخلف، وأطلق صوب رقبتها رصاصة من بندقيته، لكنه حين رأى ذلك أغمي عليه.. مرت دقائق حتى استفاق السفاح، وراح يقضم لحم صديقته، لكن أسنانه كانت أضعف من أن تنجز المهمة، فأسرع إلى أحد المتاجر واشترى سكين جزارة، وعاد ليقطع أجزاء من جسد ضحيته، وظل ليومين كاملين يأكل من لحمها بكل تلذذ.

وعندما أسدل الظلام ستائره على نهار اليوم الثالث من جريمته، أخذ ساغاوا ما تبقى من الجثة داخل حقيبتين إلى غابة بولونيا (غرب باريس)، ليلقي بها في إحدى البحيرات، وهناك استوقفته الشرطة بالصدفة فاكتشفت أمره، وأحيل بعد أسابيع إلى المحاكمة.

لم يتخل والد ساغاوا عن وحشه الصغير، فاستعان بأبرز المحامين، وبعد عامين من التحقيقات والمداولات وفحص مئات الأوراق والأحراز، أفلت ساغاوا من الإعدام بدعوى الجنون، وأرسل إلى مصحة عقلية.

القصة المثيرة بكل تفاصيلها التي تصدق، دفعت الكاتب الياباني اينوهيكو يوموتا إلى أن يلتقي ساغاوا آكل لحوم البشر، وتحدث إليه عدة مرات، ليخرج بعدها بكتابه الشهير الضباب، الذي لاقى رواجا حول العالم فذاع صيت ذلك الوحش الصغير الذي لم يكن طوله يتجاوز المئة وخمسين سم.

إنحراف جنسي

وذات صباح مريب، رحلت الحكومة الفرنسية ساغاوا إلى موطنه، وحين وصل إلى بلاده، أودعته الحكومة اليابانية مصحة عقلية، وكانت المفاجأة حين فحصه الأطباء لعدة أسابيع، ثم أصدروا تقريرا يؤكد أن ساغاوا إنسان عاقل، وأرجعوا جريمته إلى انحرافه الجنسي.

ورغم ذلك، أطلق سراح ساغاوا عام 1986 وبات حرا، ينتقل هنا وهناك ومارس حياته بشكل طبيعي، بل بات نجما في وسائل الإعلام، حتى أنه ظهر في فيلم وثائقي يحكي قصته بعنون كانيبل، كما ظهر في أكثر من برنامج تلفزيوني، وأجريت معه عشرات اللقاءات الصحفية، التي تحدث خلالها عن هوسه بأكل لحوم البشر، قائلا إنه يميل إلى أكل لحم الشقراوات خصوصا، وذكر بالتحديد اسم الممثلة جريس كيلي‏، التي أصبحت لاحقا زوجة أمير موناكو رينيه الثالث.

 

 

وقبل أيام، كتبت كلمة النهاية على تتر القصة الواقعية لأشهر آكل لحوم بشرا في العالم، والذي إذا أحب امرأة اشتهى لحمها، إذ توفي ساغاوا في عمر الثالثة والسبعين، متأثرا بإصابته بالتهاب رئوي، فيما اقتصرت جنازته على بعض من أقاربه.

الجريدة الرسمية