رئيس التحرير
عصام كامل

الجماعة الإسلامية على خط النار في انتخابات الكونجرس.. الجمهوريون يكتسحون مؤشرات الفوز

الكونجرس الأمريكي
الكونجرس الأمريكي

حالة من الخوف الشديد تجتاح أنصار الجماعة الإسلامية بسبب اشتعال الصراع بين الأطياف السياسية الأمريكية للتجديد النصفى للكونجرس فى نوفمبر القادم، إذ يبدو أن المفاجآت قادمة لا محالة بعد أن بدأت الحملات الانتخابية تستعر بشكل متزامن من الديمقراطيين ‏والجمهوريين للسيطرة على البرلمان، ويبدو لافتًا إلى أن هناك تزايدًا فى مؤشرات رغبة الأمريكيين لإعادة ‏الجمهوريون للصدارة بما يضع المنافس فى مشكلة كبرى تجاه عدد من الملفات على المستوى الداخلى ‏والخارجى فى المقدمة منها قائمة الإرهاب التى كانت الجماعة على رأس المرصودين فيها.


شتاء مختلف لـ«الجماعة الإسلامية»‏

حال انتهاء النتائج حسب ما وصلت إليه استطلاعات الرأى ستصبح الجماعة الإسلامية على ‏موعد مع شتاء مختلف كليا، فالسياسات الأمريكية الخارجية تجاه المنطقة يحكمها نزاع دائم بين ‏الديمقراطيين والجمهوريين تعززه الأيدلوجيا والرؤية الأمنية والتباين فى الثقافة الحقوقية بين ‏المعسكرين.

وتتوقع بعض المصادر أن يمارس الجمهوريون ضغوطا شرسة لمراجعة عدد من القرارات التى اتخذتها ‏إدارة بايدن خلال الأشهر الماضية خاصة إزالة جماعات دينية متشددة من قوائم الإرهاب على رأسهم ‏الجماعة الإسلامية فى مصر.


من هى الجماعة الإسلامية؟ ‏

جماعة سلفية جهادية خرجت من رحم الجامعات المصرية فى أوائل سبعينيات القرن الماضى ودعت إلى ‏تحكيم الشريعة ومظاهر الحياة الإسلامية -حسب رؤيتها السلفية- للمجتمع وكان من تبعات نشاط ‏أنصارها فى الجامعات تشديد القبضة الأمنية على الاتحادات الطلابية، ومع سخونة المشهد ضدها لجأت ‏للجهاد المسلح لإقامة الدولة الإسلامية. ‏

ضمت الجماعة الإسلامية كل رموز الإرهاب المسلح فى التاريخ الحديث للبلاد، من عمر عبد الرحمن ‏زعيمها الروحى الذى قضى عقوبة السجن المؤبد فى الولايات المتحدة الأمريكية حتى وفاته فى عام ‏‏2017، إلى ناجح إبراهيم -داعية إسلامى لاحقا- وعاصم عبد الماجد وخالد الإسلامبولى قاتل السادات، وعبود وطارق الزمر. ‏

خرج من صفوف الجماعة الإسلامية أيضًا شوقى الشيخ الذى انشق عنها وشكل جماعة تكفيرية خطيرة ‏تحت مسمى «الشوقيون» كانت مسئولة عن تدبير معظم عمليات سرقة محلات ذهب الأقباط الشهيرة فى ‏التسعينيات، ومن الجماعة الإسلامية أيضًا خرج جابر ريان الذى اتهمته أجهزة الأمن بالسيطرة على حى ‏إمبابة وقُبض عليه فيما يعرف بأحداث جمهورية إمبابة الإسلامية. ‏

استهدفت الجماعة اغتيال رموز السلطة وقوات الأمن ودبرت اعتداءات على السياح، وكان ذروة نشاطها ‏خلال فترة الثمانينيات وفترات متقطعة من التسعينيات بيد أن الضربات الأمنية المركزة اضطرتها فى ‏النهاية لعمل مراجعات فكرية عام 1997 انتهت منه عام 2001 وتخلت بموجبها عن العمل المسلح ‏والصراع العلنى مع السلطة وسلمت أسلحتها مقابل الإفراج عن معتقليها وإيقاف مظاهر القسوة الأمنية ‏معها. ‏

بعد ثورة يناير عام 2011 عادت الجماعة للاشتباك مع العمل العام فى ذروة صعود الإسلاميين وأسست ‏حزب البناء والتنمية ليصبح الذراع السياسية لها، واستمر فى الحياة السياسية بعد إسقاط الإخوان عن ‏الحكم إلى أن تم حله ومصادرة أمواله فى مايو 2020 بعد اتهامه بمخالفة مبادئ العمل الحزبى فى ‏الدستور، وإن كان السبب الحقيقى لقرار الحل تسخير الحزب قياداته ومواقفه للدفاع عن الإخوان فى ‏معركتها مع الدولة، لهذا أُدرجت الجماعة الإسلامية نفسها على قوائم الإرهاب فى مصر. ‏
خارجيًا جرى تصنيف الجماعة الإسلامية كمنظمة إرهابية أجنبية فى الولايات المتحدة الأمريكية منذ 8 ‏أكتوبر 1997 لكن فى مايو الماضى فجرت إدارة بايدن مفاجأة من العيار الثقيل بعد أن قامت بشطب ‏الجماعة و4 منظمات أخرى من قائمة المنظمات الإرهابية.


سر رفع الجماعة من قوائم الإرهاب

مع خمس مجموعات لها ماض متطرف بشدة، أزالت إدارة بايدن الجماعة الإسلامية من قوامها للإرهاب، ‏بزعم أنها لم تعد موجودة بالأساس فى دوائر التأثير أو انتهاج العنف حسب مسح لوزارة الخارجية ‏الأمريكية ومراجعة إلزامية مدتها خمس سنوات. ‏

حسب بيان الخارجية الأمريكية هذه المنظمات وفى القلب منها الجماعة الإسلامية لم تعد فقط منخرطة فى ‏الإرهاب أو النشاط الإرهابى بل ولا تحتفظ بالقدرة أو النية على القيام بذلك وهى المعايير التى تحكم إدارة ‏بايدن باتجاهاتها التقدمية والحقوقية فى التعامل مع التطرف، إذ تحافظ دائما على منهجيتها فى توسيع ‏مساحة الفرص واستغلال أي ثغرة لإعادة من يمكن إعادته للحياة والمجتمع مرة أخرى.

لكن رؤية الإدارة الديمقراطية بحسب خبراء أمن مصريين ليست بهذه المثالية، كما أنها لا تضع فى ‏حساباتها كثيرًا أن نفس الجماعات فقدت هذه القدرة بسبب تفوق الأجهزة الأمنية فى الضغط عليها ‏وتجريدها من مخالبها بعد صراعات دامية راح فيها أرواح وأموال ضخمة وحال توفر ظروف مناسبة ‏ستعود من جديد وربما أقوى وأكثر قوة من ذى قبل وهناك عشرات الأمثلة على ذلك.

يرفض خبراء الأمن التسامح مع جماعات قتلت مئات وآلافا من الأبرياء، خاصة أن الأيدلوجيا والمشروع ‏الدينى الذى يحكم بوصلة التيارات الدينية لاسيما الجهادية منها لا يتغير لكنه يسمح لهم تحت الضغط ‏الشرس بالتخفى أو تغيير التكتيك بغية الوصول إلى الهدف والسيطرة على السلطة. ‏

من أنصار هذه الرؤية بشكل أو بآخر اللواء خيرت شكرى، وكيل جهاز أمن الدولة الأسبق، الذى يرى أن ‏قرار رفع الجماعة الإسلامية المصرية من قوائم الإرهاب جاء بشكل مفاجئ وبدون مقدمات ويستهدف ‏الدولة المصرية فى المقام الأول. ‏

يطرح "شكرى" تساؤلات عدة عن أسباب القرار وتوقيته ويقول: لماذا الجماعة الإسلامية الآن وبعد ‏‎12‎‏ ‏عاما من أحداث يناير حتى تقوم أمريكا برفعها من قوائم الإرهاب.

يتولى وكيل جهاز أمن الدولة الأسبق الإجابة عن سؤاله، ويؤكد أن قرار رفع الجماعة الإسلامية من ‏قوائم الإرهاب ليس وليد الصدفة، بل بترتيب وتنسيق مع القيادات الهاربة خارج البلاد. ‏

يدلل خيرت على رؤيته أن مصطلح «الجماعة» محلى لا يتعدى الحدود الجغرافيا ويختلف عن مصطلح ‏التنظيم الذى يتعدى النطاق الداخلى والخارجى للحدود وله صفته الدولية وارتباطاته بدول وأجهزة ‏مخابرات وهذا ينطبق على الإخوان، بخلاف الجماعة الإسلامية التى لا يستهدف مشروعها أبعد من ‏الحدود المصرية. ‏

يختتم شكرى مؤكدًا أن الإدارة الأمريكية ستسعى بعد هذا القرار لأن يكون للجماعة الإسلامية دور على ‏الساحة المصرية كبديل عن الإخوان مؤقتا فى الفترة القادمة بعد إعادة النظر فى قرار حل حزب البناء ‏والتنمية الصادر عام ٢٠٢٠ باعتباره الذراع السياسية للجماعة الذى سيعيد الشرعية لوجودها ‏وتحركاتها على الساحة السياسية. ‏


شرعية النشاط القانونى وجمع الأموال ‏

لا يذهب بعيدًا اللواء محمد عبد الواحد، خبير شئون الأمن القومى عن «شكري»، إذ يرى هو الآخر أن مثل ‏هذا القرار قد يسمح لتلك التنظيمات باستئناف نشاطها القانونى وجمع الأموال وإلغاء قرارات تجميد ‏الأصول وحظر السفر بجانب رفع الحظر عن أي أمريكى يدعم الجماعة أو أعضائها ماديًا.

يلفت "عبد الواحد" أن إلى القرار خطوة لتشجيع الإرهاب بدلًا من مكافحته، إذ يشجع جماعات الإسلام ‏السياسى على استئناف ممارسة نشاطها مرة أخرى ويعطيها حرية الحركة فى مساحات واسعة.
ثمنًا لهذا القرار يملك الخبير فى شئون الأمن القومى قناعة بأن روسيا وحلف شمال الأطلسى قد يقوم كل ‏منهما فيما بعد بتوظيف ورقة المقاتلين الإسلاميين كما حدث من قبل للاستعانة بهم فى حسم الصراع ‏القائم بأوكرانيا.

يدلل خبير الأمن القومى على صحة هذه الرؤية بأن البعد العقائدى موجود وبقوة فى هذا الصراع بعد أن ‏تورط الإسلاميون الشيشان فى الأزمة، وانقسموا ما بين داعم لروسيا وآخر لأوكرانيا، وكلا منهما يرفع ‏شعارات دينية جهادية ضد الآخر. ‏

ويختتم اللواء محمد عبد الواحد بأن القرار سيدفع جماعة الإخوان والتيارات الجهادية فى منطقة الشرق الأوسط لخدمة أهداف ‏المصالح الأمريكية والغربية.‏


تأثير القرار على انتخابات الكونجرس ‏

ما تقوله المصادر الأمنية المصرية يتفق معها بدرجة بعض الباحثين فى شئون الإسلام السياسى على ‏شاكلة آدم روزفلت الباحث فى القضايا الأمنية والذى عمل طويلا مع وزارة الأمن القومى الأمريكية فى ‏ملف المنظمات الإرهابية.

روزفلت يرى أن الخطوة غير مفهومة بالنسبة له ولم يتوقعها، ويلفت إلى أن القرار سيضر إدارة بايدن ‏فى انتخابات التجديد النصفى القادمة بشدة، فالخارجية الأمريكية التى أشرفت على القرار كان ولا يزال ‏لديها الكثير من الأولويات والمخاطر الراهنة للتصدى لها.

فى الوقت نفسه لم يستبعد الباحث فى القضايا الأمنية أن يكون اتخاذ القرار جاء تحت إشراف مخابراتى ‏لتعزيز عمل هذه التنظيمات مستقبلا فى مساحات أخرى. ‏

يكشف «آدم» أن سياسة الولايات المتحدة الخارجية تقوم بالأساس على التنسيق مع الحلفاء لتجنب ‏التبعات الضارة لأى قرارات أمريكية، وبالتالى سيحسب مثل هذا القرار على الخارجية ورجالها حال عدم ‏التنسيق مع مصر وقت اتخاذه، حتى لو كان تأثير الجماعة الإسلامية غير ضار بالأمن القومى المصرى. ‏


مراجعات صورية والجماعة تشكل خطرًا

على جانب آخر، يقيم سامح عيد، الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية الموقف أيدولوجيا وعقائديا، إذ ‏يعتبر أن ما قامت به الجماعة الإسلامية خلال أواخر التسعينيات بعد صدامات دامية مع السلطة ليست ‏مراجعات بل صفقة مع نظام مبارك.

لا زالت الجماعة متمسكة بأيديولجيتها فى قيام الدولة الإسلامية وجهاد الطلب، إلى آخر المرتكزات ‏الرئيسية والمحورية لفكر التنظيم يقول عيد ويستكمل: استندت المراجعات التى قامت بها الجماعة الإسلامية إلى فقه الضرورة خوفا من السحق أمام القوات ‏الأمنية بما يضعف قد الجماعة وينهى عليها، ويلفت إلى أنها تستند على نظرية العنف المؤجل وفقه ‏المصلحة لكن لا يعنى ذلك امتناعها عن العنف أو أنها تخلت عن أفكارها وشتان بين هذا وذاك.

 

نقلًا عن العدد الورقي…،

الجريدة الرسمية